22 من 27/دروس في الحج/أهمية الحج ومقاصده/صالح الفوزان/الفقه/كبار العلماء

استمع على الموقع

إقرأ

الدرس الثاني و العشرون: أهمية الحج ومقاصده

 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله الذي جعل بيته الحرام مثابةً للناس وأمنا، وأشهد ألّا إله الله وحده لا شريك له شهادة تُنجي من نطق بها وحقق مدلولها مبنًا ومعنى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، عرج به فوق السموات العلى فكان قاب قوسين أو أدنى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى ومصابيح الدجى وسلم تسليمًا كثيرًأ في الآخرة والأولى، أما بعد أيها الإخوة المستمعون اتقوا الله واشكروه على نعمه التي لا تحصى، ومن أعظم نعمه أن جعل لكم هذا البيت الشريف وهذا الحرم المنير، يتجه المسلمون إليه في صلواتهم من جميع أقطار الأرض ويفيضون إليه حاجين ومعتمرين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، فيلتقون حوله ويتعارفون عنده، فتتآلف قلوبهم ويتعاونون على تحصيل مصالحهم وحل مشاكلهم، تظهر قوة الإسلام ووحدة المسلمين ويرفع شعار الدين وتزول كل الفوارق المصطنعة إلا فارق التقوى، وتسقط كل الشعارات البشرية والشرائع الجاهلية ولا يبقى إلا شراع الدين وشريعة رب العالمين، تبطل كل الاعتقادات الشركية ولا يبقى إلا العقيدة الحنيفية ملة إبراهيم إمام الملة الإسلامية، فإن هذا البيت أُسس على الترحيب حين أمر الله إبراهيم وإسماعيل ببناءه، قال الله: {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، فمن حاول أن يجلب الوثنية إلى هذا البيت ويقيمها حوله أزاله الله من الوجود وأذاقه العذاب الأليم، كما فعل بعمرو بن لحى الخزاعى، الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم يجر قصبه في النار جزاءً له على ما أحدث له من تغيير دين إبراهيم وتسييد السوائد للأصنام، كما فعل بقريش على يد محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلام وصحابته الكرام حين فتحوا مكة ومحوا ما فيها وما حولها من الأصنام، ومن أراد بهذا البيت وقاصديه والمتعبدين فيه بسوء أجابه الله بالعذاب، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، ولما أراد أبرهة ملك الحبشة هدم هذا البيت وصرف الناس عنه وجهز لذلك جيش هائل وفيه فيل عظيم ليهدم به الكعبة ، بأن يجعل السلاسل في أركانها ويربطها في عنق هذا الفيل ليجرها ويلقي جدرانها جُملة واحدة، وكان لا يمر في طريقه بقبيلة من قبائل العرب إلا داهمها إلى أن وصل إلى أرض الحرم فخرج أهل مكة إلى رؤس الجبال خوفًا منه، ولما تهيأ الجيش لدخول مكة وهيأوا الفيل ووجهوه نحوها برك، ضربوه ليقوم فأبى، فإذا وجهوه لغير مكة قام يهرول، وبينما هم كذلك أرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طائر منها ثلاثة أحجار، حجر في منقاره وحجران في قدميه أمثال الحمص والعدس، فحلقت فوقهم ورمتهم بتلك الحجارة فهلكوا وأنزل الله في ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى أهلكهك ودمرهم، فأصبحوا مُلقين على الأرض {كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}، وهو التبن الذي أكلته البهائم وراثته، وفي هذا أعظم عبرة لمن أراد هذا البيت بسوء، أن الله يُهلكه ويجعله عبرة للمعتبرين، وهذا البيت الشريف له خصائص عظيمة، منها أنه أول بيت وضع للناس على وجه الأرض، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، فأخبر سبحانه أنه أول المساجد في الأرض، فهو قبل البيت المقدس وهذا من أعظم الآيات البينات فيه حيث تعاقبت عليه آلاف السنين وهو باق، وضعه الله منارةً للتوحيد ومثابةً للناس مع حرص الكفار على إزالته بكل وسيلة ومع ذلك بقى يتحدي كل عدو، ولهذا سماه الله بالبيت العتيق، قيل سُمى عتيق لأنه أول بيت وضع للناس وقيل لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يُظهر عليه جبار قط، وقيل لأنه أُعتق يوم الغرق زمان نوح عليه السلام وأنه مبارك أي بركة لما جعل الله في حجه والطواف به من الأجر وتكفير السيئات وأنه تضاعف فيه الحسنات والبركة وكثرة الخير وهدىً للعالمين إليه اتجاههم في صلاتهم وتعبداتهم فالمؤمنون يأتون إليه حجاجً وعمارًا فتحصل لهم بذلك أنواع الهداية ومعرفة الحج وصلاح العقيدة كل ذلك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شارك