23 من 27/دروس في الحج/عبادة الحج وأنواع النسك/صالح الفوزان/الفقه/كبار العلماء

استمع على الموقع

إقرأ

الدرس الثالث والعشرون: عبادة الحج وأنواع النسك

 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد، أيها الإخوة المستمعون، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ"، فمغفرة الذنوب بالحج ودخول الجنة مُرتب على كون الحج مبرورًا، وإنما يكون مبرورًا لاجتماع أمرين فيه، أحدهما الإتيان فيه بأعمال البر ومنه الإحسان للناس بالبر والصلة وحُسن الخُلق، ولما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر قال حُسن الخُلق وهذا يُحتاج إليه في الحج كثيرًا بحيث يعامل الناس بالقول والفعل سواء كانوا من رفقته في السفر أو من سائر الحُجاج الذين يلتقي بهم في الحج والمشاعر، وقد قيل إنما سُمي السفر سفرًا لإسفاره عن أخلاق الرجال، وفي مُسند الإمام أحمد عن جابر بن عبدالله رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ "، قالوا وما البرور يا رسول الله، قال: "إطعامِ الطَّعامِ وإفشاءِ السَّلامِ"، وسُئل السعيد بن الزبير رحمه الله، أى الحج أفضل؟ قال: "من أطعم الطعام وكف لسانه"، وفي مراسيل خالد بن معدان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا يَصْنَعُ مَنْ يَؤُمُّ هَذَا الْبَيْتِ اذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِصَالَ ثَلاث، وَرَعَ يحجزه عَمَّا حَرَمَ اللهِ، وَحُلْمَ يظبط بِهِ جَلَّةٌ وَحُسْنُ صَحَابَةٍ لِمَنْ يَصْحَبُ، وَإلًا لَا حَاجَةُ لله بِحُجَّهِ"، فهذة الثلاثة يحتاج إليها في الأسفار خصوصًا في سفر الحج، فمن كملها فقد كمل حجة، وفي جملة: خير الناس أنفعهم للناس وأصبرهم على أذى الناس، كما وصف الله المتقين بذلك فقال: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، ومِن أعظم أنواع البر في الحج كثرة ذكر الله تعالى فيه، وأمر الله تعالى بذكره في إقامة مناسك الحج مرة بعد أخرى خصوصًا في حال الإحرام للتلبية والتكبير، فما تزود حاج ولا غيره أفضل من زاد التقوى، فإن التقوى تجمع خصال الخير كلها، ويجب على الحاج أن يُخلص النية لله في حجه ولا يقصد فيه رياء ولا سمعة ولا طمع من مطامع الدنيا، قال تعالى :{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، وإتمام الحج إتمام مناسكه على الوجه المشروع، وقوله لله يعني بإخلاص النية فيه لله وحده، وتخليص أفعاله من الشرك الأكبر والأصغر فلا يكون فيه رياء ولا سمعة ولا فخر ولا خُيلاء ولا مُباهاة ويتواضع في حجه، قد حج النبي صلى الله عيه وسلم على رحلٍ رث وقطيفةً ما تساوي أربعة دراهم، وقال اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة، وينبغي للحاج أن يصبر على المشقة ولا يُرفه نفسه في الحج، فإن بعض الناس في هذا الزمان يُكثر من الأبهة وأخذ الكماليات الكثيرة من السيارات والخيام التي يُضايق بها الحجاج، وبعض الناس لا ينزل بمِنى أيام التشريق مع تمكنه من ذلك وإنما ينزل في شِقَق مفروشة ومبردة خارج مِنى ويتحج بأنه لم يجد مكان في مِنى، والواجب على الحاج أن يبحث عن مكان ينزل فيه من مِنى فإن لم يجد بعد البحث فإنه ينزل قريبًا منها مع الحجاج، ولا ينصب خيامه بعيدًا عنها بل ينصب خيامه مع الحجاج مهما أمكنه القرب من مِنى لأن هذا مُنتهى استطاعته، قد قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وعلى الحاج قبل أن يسافر الحج أن يكتب ما له وما عليه من الديون ويبين ما عنده من الودائع والأمانات، حتى لو قدر أن يجري عليه من سفره من موت أو عائق يمنعه من الرجوع إلى وطنه، فإنه يكون قد وثق هذه الحقوق وبينها، فيضمن بذلك وصولها إلى أهلها وتبرأ ذمته منها، فاتقوا الله أيها المسلمون أيها الحجاج، استعدوا للحج بما يليق به وعدوه على الوجه المشروع وأكملوا مناسكه وأخلصوا النية فيه لله مع الخشوع والسكيينة والتواضع فيه لله، والإحسان إلى إخوانكم الحجاج، وعدم أذيتهم ومضايقتهم واصبروا على مشاقه وما ينالكم فيه من التعب فإنه من الجهاد، والجهاد لابد فيه من مشقة وتعب، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه.

شارك