الدرس العاشر: وقفة مع الآية "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ"
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، قال الله جل وعلا لخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فرغ من بناء البيت :"وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ"، يعني نادي الناس ليقبلوا على الحج، فقال :"يا ربي وما يبلغ صوتي"، فقال :"أذن وعلي البلاغ"، فأذن للناس بالحج فأجابه كل مسلم يحج إلى أن تقوم الساعة فإنه يكون مجيبًا لهذا النداء، "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ" هذا إجابة بعد إجابة على ندائك على لسان خليلك إبراهيم فكل من جاء يلبي فهو مجيب لهذا الآذان الذي نادى به إبراهيم عليه الصلاة والسلام، "يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ"، أي ماشين وراكبين على الغبل التي تضمر من اجل السفر، ليكن ذلك أبلغ في سيرها وتخف أجسامها وتكون مهيأة للسير وتأتي من مسافات بعيدة، "يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، أي من كل طريق من خلال فجاج الأرض الذي جعلها الله متطرقات للمسافرين بين الجبال وغيرها.
الله جل وعلا جعل في الأرض فجاج يسير معها المسافرون والركبان من كل فج عميق، من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب، يأتون ملبيين لهذا النداء، "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ"، "يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، عميق يعني بعيد، يأتون من أقاصي الأرض مجيبين لهذا النداء، فهذا نداء مستمر للناس وتستمر إجابته كل عام من كل حاج لهذا البيت العتيق، "يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ"، "يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، لماذا؟ "لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ"، ليشهدوا في هذه المشاعر العظيمة منافع لهم دينية ودنيوية، دينية: لكسب الأجور والحسنات في هذه المشاعر المعظمة من طواف في البيت والسعي بين الصفا والمروة ووقفة بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمي للجمار ومبيت بمنى ليالي أيام التشريق، كل هذا من مناسك الحج ومشاعر الحج ليكتسبوا بذلك الأجور من ربهم عز وجل، "لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ"، أعظم المنافع هي منافع العبادات والطاعات وأداء المناسك، ومنافع دنيوية للبيع والشراء، "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ"، يعني المتاجر في موسم الحج لا مانع من ذلك، لأنها أيضا مما يعين علي عبادة الله سبحانه وتعالى.