الدرس الرابع و العشرون: مواقيت الحج
الحمدلله والصلاة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد، نواصل الحديث معكم في موضوع الحج وبيان أحكامه، والآن نتحدث عن بيان المواقيت التي إذا مر بها الحج في طريقه إلى مكة لا يجوز له أن يتعداها بدون إحرام، المواقيت جمع ميقات، وهو لغة الحد، وشرعًا هو موضع العبادة أو زمنها، اعلموا وفقني الله وإياكم أن للحج مواقيت زمنية ومكانية، فالزمانية ذكرها الله بقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، وهذه الأشهر هي شوال وذو القعدة وعشرٌ من ذى الحجة، أى من أحرم بالحج في هذه الأشهر فعليه أن يتجنب ما يُخل به من الأقوال والأفعال الزميمة وأن يشتغل في أفعال الخير ويلازم التقوى، وأما المواقيت المكانية فهي الحدود التي يجب للحج أن يتعداها إلى مكة بدون إحرام، قد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث بن عباس رضى الله عنهما قال: "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ: ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ: الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ"، ولمثلهم من حديث جابر، ومهل أهل العراق ذات عرق، لما كان بيت الله الحرام المعظم المشرف جعل الله له حصنًا وهو مكة وحمًا وهو الحرم، وللحرم حرمٌ وهي المواقيت التي لا يجوز تجاوزها إليها إلا بالإحرام تعظيم لبيت الله الحرام، وأبعد هذه المواقيت الحليفة ميقات أهل المدينة، وبينه وبين مكة مسيرة عشر أيام، ميقات أهل الشام ومصر والمغرب الجحفة قرب رابغ وبينها وبين مكة ثلاث مراحل، وبعضهم يقول أكثر من ذلك، وميقات أهل اليمن يلملم بينه وبين مكة مرحلتان، وميقات أهل نجد قرن المنازل ويعرف الآن بالسيل وهو مرحلتان عن مكة، وميقات أهل العراق وأهل المشرق ذات عرق وبينه وبين مكة مرحلتان، فهذه المواقيت يحرم منها أهلها المذكورون ويحرم منها من مر بها غيرهن وهو يريد حج أو عمرة، ومن كان منزله دون هذه المواقيت فإنه يحرم من منزله للحج والعمرة، ومن حج من أهل مكة فإنه يحرم من مكة، فلا يحتاجون إلى الخروج للميقات للإحرام منها للحج، وأما العمرة فإنهم يخرجون للإحرام بها من أدنى الحلم، ومن لم يمر بميقات في طريقه من تلك المواقيت أحرم إذا علم أن أحدها أقرب منه، يقول عمر رضي الله عنه: "انظروا إلى حدوها من طريقكم"، رواه الإمام البخارى، وكذا من ركب طائرة فإنه يحرم إذا حاد أحد هذه المواقيت من الجو فيتهيأ من اغتسال والتنظف قبل ركوب الطائرة، فإذا حاد الميقات نوى الإحرام ولبى وهو في الجو، ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى أن يهبط في مطار جدة فيحرم من جدة كما يفعل بعض الحجاج، فإن جدة ليست ميقات وليست محل للإحرام إلا لأهلها أو من نوى الحج أو العمرة منها، فمن أحرم منها من غير أهلها ومن في حكمهم فإنه قد يكون قد ترك واجبًا وهو الإحرام من الميقات الذي مر به فيكون عليه فدية، وهذا مما يخطئ فيه كثير من الناس اليوم فيجب التنبه، بعضهم يظن ألّا بد من الإغتسال للإحرام فيقول أنا لا أتمكن من الاغتسال في الطائرة، والواجب أن يعلم هؤلاء أن الإحرام معناه نية الدخول في النُسك مع تجنب محظورات الإحرام حسب الإمكان، والاغتسال والتطيب ونحوهما إنما هي السنن وبإمكان المسلم أن يفعلها قبل ركوب الطائرة وإن أحرم بدونها فلا بأس، فينوى الإحرام ويلبي وهو في الطائرة إذا حال الميقات أو قبله بقليل، ويعرف ذلك بسؤال الملَّاحين، فإذا فعل ذلك فقد أدى ما يستطيع، لكن إذا تساهل ولم يُبالي فقد أخطأ وترك الواجب من غير عذر وهذا ينقص حجة وعمرته، ويجب على من تعدى الميقات بدون إحرام أن يرجع إليه ويحرم منه، لأنه واجب يمكنه تداركه فلا يجوز تركه، فإن لم يرجع فأحرم من دونه فعليه فدية بأن يذبح شاة أو يأخذ سُبع بقرة ويوزع ذلك على مساكين الحرم، ولا يأكل منه شئ، يجب على المسلم أن يهتم بأمور دينه، أن يؤدي كل أمر من أمور دينه على الوجه المشروع، من ذلك الإحرام للحج والعمرة، يجب أن يكون من المكان الذي عيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتقيد به المسلم ولا يتعدي، فإن الله جعل هذا البيت مُعظمًا وجعل المسجد الحرام فناء له وجعل مكة فناء للمسجد الحرام وجعل الميقات فناء للحرم، وأمر الله بتعظيم هذا البيت وتعظيم هذا الحرم وذلك بالإحرام عند القدوم عليه لأداء النسك، فيجب تعظيم ما عظم الله وأمر بتعظيمة بالكيفية التي شرعها الله وهي الإحرام من المكان المحدد، قال الله تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، وفق الله الجميع لما يُحب ويُرضاه والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.