01 من 03/ دروس التفسير في المسجد الحرام / الفاتحة / مقدمة / صالح الفوزان / التفسير/ كبار العلماء

استمع على الموقع

إقرأ

1من 3 دروس التفسير في المسجد الحرام_ الفاتحة_ مقدمة_ صالح الفوزان_ التفسير

_ كبار العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم المكتبة الصوتية لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان دروس التفسير في المسجد الحرام للشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تفسير سورة الفاتحة.

الدرس الأول: " الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وتمسك بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين،  وبعد نواصل الحديث إن شاء الله في هذه الجلسة في ما بدأناه في الجلسات السابقة عن القرآن الكريم وستكون دروسنا ان شاء الله  كلها في هذا الموضوع كلها حول القرآن الكريم، وقد انتهى بنا الكلام في الجلسة السابقة إلى أحكام التلاوة وما يشرع لها، والآن يكون كلامنا على أول صورة في المصحف وهي سورة الفاتحة،  هذه الصورة العظيمة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم إنها أعظم سورة في القرآن وأعظم آية في القرآن آية الكرسي، ولها أسماء كثيرة مما يدل على شرفها وعظمها، لأن الشيء إذا كثرت اسماؤه واوصافه دل على عظمته، وهذه السورة لها أسماء كثيرة وردت بها الأحاديث والآثار، تسمى فاتحة الكتاب لأنها افتتح بها كتابة المصحف فهي مكتوبة في أول المصحف، فهي فاتحة الكتاب يعني فاتحة المصحف  كتبها الصحابة في أول المصحف وذلك لأنهم فهموا من الرسول صلى الله عليه وسلم  تقديمها فقدموها، ولأنها تُفتتح بها الصلاة فريضة كانت أو نافلة، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. وتسمى أم القرآن، تسمى أم الكتاب. أم القرآن، وأم الشيء الأصل الذي يرجع إليه الشيء، أم كل شيء ما يرجع إليه ذلك الشيء، وذلك لأن معاني القرآن كلها ترجع إلى ما تضمنته سورة الفاتحة. السورة الفاتحة تضمنت معاني عظيمة، وهذه المعاني التي تضمنتها قال العلماء إن القرآن كله يرجع إليها عند التأمل، فلذلك سميت أم القرآن. وتسمى بالرقية، لأن جماعة من الصحابة مروا على حي من أحياء العرب فلم يضيفوهم فلدغ كبيرهم أو أميرهم. لدغته حية فجاؤوا إلى الصحابة يطلبون منهم الرقية لأن من عادة العرب أنهم يرقون اللديغ فقال لهم الصحابة، أو قال أحد الصحابة إنني أرقي ولكن أنتم أبيتم أن تضيفونا، فلا نرقي إلا بجُعل "يعني بمال" فتشارطوا على قطيع من الغنم، فجاء أحد الصحابة فقرأ سورة الفاتحة على ذلك اللديغ فشفي في الحال، وقام كأنما نُشط من عِقال فأخدوا الغنم ولكنهم توقفوا عن التصرف فيها حتى يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم ومعهم هذا القطيع من الغنم وأخبروه بالقصة، قال: وما يدريك أنها رقية. وسميت بالرقية، اقسموا وضيفوا لي معكم لسان.  وتسمى بالكافية والشافية. ولها أسماء كثير مما يدل على عظمتها. وقراءة الفاتحة في الصلاة ركنٌ من أركان الصلاة فريضةً كان أو نافلةً، لقوله صلى الله عليه  وسلم:" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"   فقرأتها في الصلاة في كل ركعة ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة بدونها مع القدرة على ذلك، إذا كان الإنسان يقدر على تلاوة الفاتحة ويحفظها وجب عليه، حتى ولو من المصحف، إذا كان لا يحفظها يقرأها من المصحف، فإن لم يستطيع القراءة لا من المصحف ولا عن ظهر قلب فإنه يصلي ولا يترك الصلاة ويكون معذوراً في ترك قراءة الفاتحة ويسقط عنه هذا الركن، لقوله صلى الله عليه وسلم:" فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله ، وهلله ، وكبره، ثم اركع" فإن كان معه من القرآن غير الفاتحة ما يقرأه يقرأ من القرآن، وإن لم يكن معه قرآن أصلاً لا من الفاتحة ولا من غيرها فإنه يأتي بالتسبيح والتهليل والتكبير ثم يركع لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن: 16] ،فهي ركن فالصلاة بإجماع العلماء في حق الإمام، وفي حق المنفرد، وإنما اختلفوا في المأموم، الذي يصلى خلف إمام هل تجب عليه قراءة الفاتحة، أو تكفي قراءة إمامه، على خلاف في ذلك معروف، ولكن الأحوط والأرجح أنه إذا تمكن من قرأتها فإنه يقرأها، وإن لم يتمكن فإنها تكفي قراءة الإمام. مثلا لو جاء والإمام في الركوع، جاء المأموم والإمام في الركوع، فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ويركع مع الإمام وتصح منه هذه الركعة ولو لم يقرأ سورة الفاتحة لأن مكانها وهو القيام فات، القيام هو مكان قراءة الفاتحة وقد انتهى بالركوع، تسقط عنه وتكفي قراءة إمامه بدليل حديث أبي بكر رضي الله عنه " أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكعٌ، فركع قبل أن يصل إلى الصف، ثم جب ودخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له: زادك الله حرصاً ولا تعد" يعني لا تعد إلى الركوع قبل أن تصل إلى الصف ولم يأمره بإعادة الصلاة فدل على أنه إذا لم يدرك قراءة الفاتحة بل أدرك الإمام راكعاً أنه معه وتصح صلاته والحمد لله. فتقرأ الفاتحة في الصلاة وهذا عرفنا حكمة تفصيلاً، وتقرأ في الرقية على المريض أو على اللديغ، تُقرأ لأنها رقية، ولأنها شافية بإذن الله، وهي دعاء كلها دعاء سورة الفاتحة كلها دعاء عبادة في أولها ثناءٌ على الله سبحانه وتعالى، ودعاء مسألة في آخر السور، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، هذا دعاء مسألة فكلها دعاء، وأما قراءتها في المناسبات، أو بعد الأذان، أو على أرواح الأموات، فهذا كله بدع ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما استحدثها بعض الناس، بعدما يفرغ من الآذان يقول أو بعد ما يفرغ من قراءة القرآن يقول الفاتحة، أو الفاتحة على روح النبي، أو الفاتحة على روح فلان، هذا بدعة لا أصل له في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس هو من عمل السلف الصالح. الفاتحة تُقرأ في الصلاة، حتى في صلاة الجنازة تُقرأ، لأنها صلاة تُقرأ فيها الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة في الجنازة وغيرها، وهذا هو الذي ينفع المريض ويصل إليه، الصلاة المشتملة على التكبير، وعلى قراءة الفاتحة، وعلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعاء للميت، فهو الذي ينفع الميت بإذن الله، هذا شفاعة للميت، وأما قراءتها على روحه أو قراءتها على أرواح الأموات، أو للنبي، أو ما أشبه ذلك مما اعتاده بعض الناس، ودرجوا عليه، أو قراءتها بعد الأذان،  والجهر بها على الماء على المنارة، أوفي الميكروفون، هذا كله من البدع التي ما انزل الله بها من سلطان، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، قال عليه الصلاة والسلام: " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".

تقدم الكلام على الاستعاذة، والكلام على بسم الله الرحمن الرحيم، والآن نبدأ بالسورة، قال الله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2،1]، الحمد لله رب العالمين، هذه آية ثلاث كلمات، الحمد لله رب العالمين، الحمد هو الثناء على الله سبحانه وتعالى، الله جل وعلا هو الذي يحمد لذاته، ولأفعاله، ولأسمائه، وصفاته سبحانه وتعالى، هو الذي يحمد الحمد المطلق، الحمد  الألف واللام للاستغراق، أي جميع المحامد كلها لله جل وعلا لا يستحقها كلها إلا الله جل وعلا، لأنه هو المنعم لجميع النعم على عباده، {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53]، هو الذي يستحق الحمد كله كل الحمد، فقوله الحمد هذا يشمل جميع المحامد كلها لله جل وعلا ملكاً واستحقاقاً، فالحمد يكون على الأسماء والصفات وعلى الأفعال ولذاته سبحانه وتعالى، وأما الشكر فإنه خاص بالأفعال الشكر يكون على الأفعال فقط. وأما الحمد فهو أعم، ولهذا يقول العلماء بين الحمد والشكر عمومٌ وخصوصٌ، فالحمد أعم من الشكر، لأنه يشمل الذات والأسماء والصفات والأفعال، وأما الشكر فإنه يكون على الأفعال فقط. ولفظ الجلالة تقدم الكلام عليه، رب العالمين، الرب في اللغة هو المربي والمالك والمصلح والسيد، هذه معاني الرب، المربي الذي يربي عباده بنعمه سبحانه وتعالى، ويغديهم بكرمه. والسيد لأنه هو سبحانه وتعالى الذي له السيادة المطلقة على خلقه سبحانه وتعالى. والمصلح لأنه هو الذي يصلح أحوال عباده سبحانه وتعالى، فما في الكون من صلاحٍ وإتقانٍ ومنافعٍ فإنه من إصلاحه له سبحانه وتعالى، هو الذي أصلحه، وهو الذي سخره، وهو الذي خلقه، رب العالمين، العالمين جمع عالم بفتح اللام وهو ما سوى الله كل ما سوى الله يقال له عالم، الأصناف، المخلوقات، عالم الإنس، وعالم الجن، وعالم الملائكة، وعالم الشياطين، وعالم الجمادات، وما في البر والبحر من أصناف المخلوقات، وما في السماء والأرض كله عوالم، ورب الجميع هو الله جل وعلا، هو المالك لهذه العوامل كلها، وهو الذي خلقها، وهو الذي سخرها، وهو الذي يصلح شأنها سبحانه وتعالى، وهو الذي أتقنها ويسرها، فهو رب العالمين لا رب للعالمين سواه سبحانه وتعالى، ولا يطلق هذا المدح إلا له سبحانه، فلا يقال رب العالمين إلا لله جل وعلا. وأما الرب المقيد فيجوز إطلاقه على المخلوق كرب الدار، ورب الدابة، رب السيارة، يطلق على المخلوق أنه ربٌ لما يملكه، وما له عليه ولاية قالوا له رب، رب الدار، رب الدابة، رب كذا، أما الرب بالإطلاق فلا يطلق إلا على الله جل وعلا، أو رب العالمين هذا لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى. تقدم الكلام على قوله:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، الكلام على البسملة في الدرس السابق، الرحمن الرحيم، وأنهما اسمان عظيمان من أسماء الله يشتملان على معنى الرحمة العامة والخاصة، فهما اسمان عظيمان من أسمائه سبحانه وتعالى. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، مالك يوم الدين بالألف، ويقرأ بدون الألف ملك يوم الدين، والملك والمالك بمعنىً واحد، فالمُلك له سبحانه وتعالى، هو المالك لهذا الكون كله، ومالك في الدنيا والآخرة، والدين يوم الدين يوم الحساب، الدين معناه الحساب، تقول دانه إذا حاسبه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" الكيس من دان نفسه " يعني حاسبها، فيوم الدين هو يوم الحساب، يوم القيامة، الذي يحاسب الله فيه الخلائق على أعمالهم ويجازيهم عليها. وفي هذا اليوم لا يكون هناك ملوك، وليس لأحدٍ ملك إلا لله سبحانه وتعالى، ولذلك خصه بملكه، قال مالك يوم الدين، لأنه في يوم القيامة هو المالك وحده جل وعلا. أما في الدنيا الناس يملكون الأموال، ويملكون العقارات، ويملكون ملكاً مؤقتاً ومعاراً لهم أيضاً، ملكٌ جزئيٌ ومؤقتٌ، وكذلك يملكون الرَّعاية، الملك فلان لأنه يملك الرعية، يملك شأنها، ويدبر أمورها، فيقال له ملك، يقال للمخلوق في الدنيا ملك، إذا كان له ولاية عامة يقال له ملك، هذا في الدنيا. أما في الآخرة فليس هناك ملوك، الملك كله لله جل علا. {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر:16]، تنتهي أملاك العباد، ويبقى ملك الله سبحانه وتعالى، ترجع إليه الأملاك كلها، ولذلك من أسمائه سبحانه الوارث، الوارث الذي تؤول إليه الأملاك بعد فناء المُلاك، تعود إليه {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَايُرْجَعُونَ}[مريم:40]، وهذا فيه تنويهٌ لهذا اليوم، يوم الدين تذكروا أنه أمامكم هذا اليوم، يوم الدين الذي تحاسبون فيه على أعمالكم، وتصرفاتك، فتفقدوا أموركم قبل هذا اليوم، ما دمت على قيد الحياة حاسب نفسك، لا تغامر الأمور، وتجازف الأمور، ولا تحاسب نفسك، لأنك ستحاسب يوم القيامة فإن حاسبت نفسك في هذه الدنيا وتبت إلى الله، وتخلصت من الذنوب والمظالم قدمت على الله قدوم السعداء، وإن حملت نفسك أوزاراً وآثاماً ومظالم وسيئات فإنك ستحاسب يوم القيامة، بل إنك تحاسب عن النعم التي أنعم الله عليه، عن الأكل والشرب واللباس، قال جل وعلا {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر:8]، تحاسب على هذه الأمور، وفي الحديث "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ"يسأل الإنسان عن هذه الأربع يوم القيامة، حساب. مالك يوم الدين هذا تنويهٌ بشأن هذا اليوم، وتخويفٌ منه، فتذكر هذا اليوم، وتقف مع نفسك، وتستعد لهذا اليوم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:5]، إياك نعبد أي نخلص لك العبادة، لأن تقديم المعمول إياك يدل على الاختصاص، وعلى الحصر. فالعبادة حقٌ لله جل وعلا وحده، لا تصلح العبادة بجميع أنواعها إلا له سبحانه، فإن صُرف منها شيء لغير الله صار هذا هو الشرك بالله عز وجل، فالذي يذبح لغير الله، أو ينذُر لغير الله، أو يستغيث بالأموات، أو بالأولياء والصالحين من الأموات، أو بالرسُل، الذي يستغيث ويستنجد بمخلوق ميت أو غائب، هذا يعبد غير الله، لأنه دعا غير الله، واستغاث بغير الله. أما الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه وهو حي حاضر، تستعين به على بعض الأمور، هذا جائز، {وَتَعَاوَنُوا عَلَىالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ}[المائدة:2]، "واللَّه فِي عَوْنِ العبْدِ مَا كانَ العبْدُ في عَوْن أَخيهِ"، في الدنيا وفي حالة القدرة، لا بأس أنك تستعين بإخوانك، ولهم الأجر إذا أعانوك على مصالحك. أما الاستعانة بالأموات فهذا شركٌ بالله عز وجل، لأن الأموات لا يملكون الإعانة، ولا يملكون شيئاً بعد الموت، لا يملكون شيئاً فلا يطلب منهم شيء، إنما يطلب هذا من القادر الحي الذي لا يموت سبحانه وتعالى. فكيف تنصرف عن الحي الذي لا يموت، القادر الذي لا يعجزه شيء تنصرف إلى ميت صار رميماً وعظاماً وتراباً، كيف تنصرف إلى هذا الميت، وتتعلق به، وتستغيث به، وتهتف باسمه عند الشدائد، هل هذا والعياذ بالله إلا المحادة لله ولرسوله. إياك نعبد أي لا نعبد سواك، وهذا أبلغ مما لو قال نعبدك، لو قال نعبدك ما جاء المعنى إياك نعبد. فإياك نعبد أبلغ لأنه يفيد الحصر، أما قول نعبدك فهذا لا يفيد الحصر، فلذلك الله جل وعلا قدم المعمول فقال إياك نعبد، للتنبيه على الإخلاص، إخلاص التوحيد لله سبحانه وتعالى، والتنبيه على أن العبادة لا تصلح إلا لله جل وعلا. وإياك نستعين نطلب الإعانة، إياك نستعين على قول إياك نعبد مع أن للاستعانة داخله في العبادة، نوع من أنواع العبادة، عطفها من عطف الخاص على العام للاهتمام به، كما قال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِالْوُسْطَىٰ}[البقرة:238]،  لماذا عطف الصلاة الوسطى مع أنها داخلة في قوله حافظوا على الصلوات؟ لأهمية هذه الصلاة فإذا عطف الخاص على العام فهذا يدل على أهمية هذا الخاص. فالاستعانة لها أهميةٌ عظيمةٌ، كما فصلنا أن الاستعانة للحي المخلوق بالحي القادر على إعانته جائزة، ولكن إن الاستغناء عن الناس أحسن، ولكن جائز أن تستعين بواحد يبني معك الجدار، يحمل معك المتاع، واحد غني يساعدك بالقرض أو بالصدق هذا جائز والاستغناء عنه أحسن. أما الاستعانة بالميت فهذا هو الشرك الأكبر والعياذ بالله، لأن الميت لا يستعان به، ولا يقدر على شيء انتهى عمله، "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" فهو بحاجة إليك، بحاجة إلى أن تدعو له، فكيف تدعوه من دون الله عز وجل، هو بحاجة إلى أن تدعو له، لأنه لا يقدر على الدعاء، وانت إذا دعوت له نفعته إذا استجاب الله ذلك، فكيف تدعوه من دون الله عز وجل. إياك نعبد وإياك نستعين أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك، فهذا فيه دليل على وجوب إخلاص العبادات لله سبحانه وتعالى، وأنها حقٌ له جل وعلا وحده، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّالِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:56]، قال تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[النساء:36]، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِاعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36]، فالله خلق الخلق من أجل عبادته سبحانه، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، من أجل عبادته، من أجل الدعوة إلى عبادته، والإرشاد إلى عبادته سبحانه وتعالى. فالعبادة حقٌ لله بجميع أنواعها، لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله، فمن صرف منها شيئاً لغير الله صار مشركاً، {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[يونس:18]، وقال جل وعلا:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}[الزمر:3]، وقال جل وعلا:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[غافر:14]، أي الدعاء سماه ديناً، فالدعاء أعظم أنواع العبادة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" فهو أعظم أنواع العبادة، فلا يجوز أن يُدعى غير الله سبحانه وتعالى، فمن دعا غيره من الأموات، والجن، والإنس، والملائكة، والرسل، والأولياء، والصالحين فإنه يكون مشركاً، {وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ، وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّلِفَضْلِهِ}[يونس:107,106]، هذا هو الذي يجب أن تتعلق به القلوب، وأن تُصرف له جميع أنواع العبادة، وألا يُلتفت إلى غيره سبحانه وتعالى كائناً من كان، إلا فيما أباح الله من الانتفاع بأعمال الأحياء القادرين كما سبق، هذا لا يُسمى عبادة هذا يُسمى تعاون على البر والتقوى، تعاون على الخير، سد حاجات المسلمين، ليس من العبادة وإنما هو قضاء حاجة. {اهْدِنَا الصِّرَاطَالْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:6]، هذا دعاء، هذا دعاء مسألة فاطلبوا من الله أن يهديكم الصراط المستقيم، أي أن يدلك على الصراط وأن يوفقك لاتباعه، لأن الهداية قسمان: هدايةٌ بمعنى الدلالة والإرشاد، وهدايةٌ بمعنى التوفيق. أما الهداية بمعنى الدلالة والإرشاد تكون الله وتكون للأنبياء وتكون للدعاة كلهم يهدون، يعني يدلون الناس ويرشدونهم، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52]، أي صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، هذه هداية الدلالة والإرشاد، فالله يهدي يعني يدل الناس ويرشدهم بما أنزل من الكتاب وأرسل من الرسل، وأيضاً الأنبياء والعلماء يهدون يعني يدعون إلى الله ويرشدون الناس إلى طرق الخير ويحذرونهم من طرق الشر. أما هداية التوفيق فهذه لا يملكها إلا الله جل وعلا {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}[القصص:56]، هذه هداية التوفيق، هذه لا يملكها النبي صل الله عليه وسلم ولا يملكها غيره، وأما دلالة الإرشاد والبيان فهذه يملكها المخلوق إذا كان عنده علم وبصيرة، وأيضا هداية التوفيق هذه خاص بالمؤمنين، أما هداية الدلالة والإرشاد فهي عامة للمؤمنين والكفار، فالله هدى الناس يعني دلهم وأرشدهم، {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ}[فصلت:17]، والله هدى جميع الناس بمعنى دلَّهم وأرشدهم وبين لهم، وأما هداية التوفيق هذه خاصة للمؤمنين، فأنت تطلب من الله الهدايتين، هداية الدلالة والإرشاد وهداية التوفيق، اهْدِنَا أي دلَّنا وأرشدنا ووفقنا وثبتنا هذا كله يدخل في قوله اهْدِنَا، الصِّرَاطَ في اللغة هو الطريق، وهو نوعان صراطٌ حسي مثل الجادة التي تمشي عليها ويمشون الناس عليها والسكك والمراكب التي تمشي هذا صراط حسي فامشي معه واسلكه، وصراطٌ معنوي وهو المضروب هنا صراط معنوي طريق معنوي وهو الطريق الذي يوصل إلى الله جل وعلا، وما هو الطريق الذي يوصل إلى الله؟ هو القرآن. {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، الرسول صل الله عليه وسلم صراط يوصل إلى الله ويدل عليه، الإسلام صراط، فيفسر الصراط المستقيم بأنه الرسول ويفسر بأنه الإسلام، الكل حق. كل الصراط توصل إلى الله سبحانه وتعالى، والْمُسْتَقِيمَ أي المعتدل بخلاف الطرق المنحرفة فإنها توصل إلى النار، الكفار والمشركون والوثنيون والخرافيون معهم طرق يمشون عليها لكنها طرق منحرفة تؤول بهم إلى النار، أما الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا ميل فهو صراط الله سبحانه وتعالى، مستقيم لا اعوجاج فيه ولا ميل ولا انحراف ولا اشتباه ولا ظلم واضح، قال تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[الأنعام:153]، هناك شواهد كثيرة يسير عليها كثير من الخلق جواد بنيات في الطريق هذه منحرفة، ولكن الصراط المستقيم هو واحد لا ينقسم ولا يتعدد الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:7] هذا تفسيرٌ للصراط الأخرى تفسير للآية السابقة، يعني ما المراد بالصراط المستقيم؟ صراط الذين أنعم الله عليهم، الذي يسير عليه عباد الله الذين أنعم الله عليهم. كما قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا، ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا}[النساء:69]، فهذا الصراط وصفه الله بأنه مستقيم ووصف الذين عليه بأنهم الذين أنعم الله عليهم فمن أنعم الله عليه صار على هذا الصراط، ومن خذله الله وحرمه فإنه ينحرف عن هذا الصراط إلى الطرق الأخرى والمناهج الأخرى البشرية التي تؤول به إلى الضلال، والصراط تارةً يضيفه الله إلى عباده الصالحين، مثل ما هنا صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وتارةً يضيفه إلى نفسه سبحانه {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}[الأنعام:153]، فهو صراط الله وهو صراط المنعم عليهم من عباد الله لأنهم يسيرون عليه، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وهؤلاء هم الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح، هؤلاء هم المنعم عليهم الذين أعطاهم الله العلم النافع ووفقهم للعمل الصالح عملوا بعلمهم هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم، ولكن هذا الصراط والسير عليه يحتاج إلى الصبر، يحتاج أولاً إلى علم، لابد من علمٍ يبصرك في هذا الصراط، وإلا كل واحد يبي يقولك من الناس تعال معي تعال، تعال الفرقة الفلانية الطائفة الفلانية ما مثلهم كذا وكذا، كل واحد يبي يدعوك، فإذا لم تكن على معرفة بالصراط المستقيم تنخدع، فيحتاج منك إلى علم. 

ما هو هذا الصراط الذي أوصاك الله باتباعه؟ تعلم العلم النافع الذي تميز به هذا الصراط من غيره من طرق الضلال، هذا شيء، الشيء الثاني بعد العلم به يحتاج إلى ثباتٍ عليه، تسأل الله الثبات، لأنك حتى ولو علمت وعرفت وحتى لو سرت على هذا الصراط فأنت عرضة للانحراف ما دمت على قيد الحياة، كم ممن زاغ وارتد بعد معرفة وبعد هداية ارتد وزاغ وهلك، لأن الله لم يثبته، يحتاج إلى ثبات ويحتاج أيضاً إلى صبر، هذا الصراط يحتاج إلى صبر، لأنك ستمتحن وتبتلى وتبكي وتُعادَى وينالك من الناس ما ينالك إذا سرت على هذا الصراط، فتصبح غريب بين الناس، خصوصاً في آخر الزمان تصبح غريباً، الذي يسير على هذا الصراط يصبح غريباً بين الناس، يتنقصون ويتهجمون عليه ويكذبونه ويقولون فيه إن لم يثبته الله ويصبر فإنه على خطر من أن ينحرف. 

{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:7،6]، أي غير صراط المغضوب عليهم. من هم المغضوب عليهم؟ هم الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به، هؤلاء غضب الله عليهم لأنهم عصوا الله على بصيرة، فمن عرف الحق ولم يعمل به بل اتبع هواه واتبع شهواته وأطاع الناس في معصية الله وهو يعرف فإنه يكون مغضوباً عليه من الله سبحانه وتعالى لأنه عصى الله على بصيرة، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}[الجاثية:23]، الذي يعرف الحق ولكنه يتبع هواه ولا يتبع الحق أو يتبع شهوات نفسه أو يطيع الناس في معصية الله هذا مغضوب عليه، وفي مقدمة هؤلاء اليهود عليهم لعنة الله لأنهم عرفوا الحق، عرفوا هذا الرسول كما يعرفون أبناءهم، عرفوا أنه رسول الله وكانوا يدرسون صفاته قبل البعثة، وكانوا يتوعدون الناس والمشركين إنه إذا بعث سيتبعونه يقاتلون الكفار، {وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ، بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}[البقرة:89]، كانوا يعرفون صفاته ويعدون بأنهم سيتبعونه إذا بعث ويقاتلون معه، فلما جاء رسول الله صلًّ الله عليه وسلم وكان من غير قبيلتهم كان من العرب وهم يريدون أن يكون من بني إسرائيل، يعني يتحكمون على الله سبحانه وتعالى يريدون أن يكون من بني إسرائيل، حسدوه، حسدوا هذا الرسول صلًّ الله عليه وسلم وهم يعرفون أنه رسول الله {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:146]، هؤلاء غضب الله عليهم.{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:7]، من هم الضالون؟ الذين يعملون بدون علم وبدون دليل بل يتعبدون بالجهل والخرافات والبدع والمحدثات وما وجدوا عليه الناس، وفي مقدمة هذا الصنف النصارى، فإن النصارى عندهم عبادة وعنده رهبانية، وعندهم كثير من أنواع الرهبانية، لكن ما أنزل الله بها من سلطان، أبوا أن يسلكوا طريق العلم وأخذوا طريق العبادة من غير علم، والعبادة إذا لم تكن على دليل وعلى علم فهي ضلال، فلا تنفع صاحبها فذكر سبحانه في ختام هذه السورة الأصناف الثلاث:

  1. الصنف الأول الذين أنعم الله عليهم وهم الذين عرفوا الحق واتبعوه.
  2. الصنف الثاني الذين عرفوا الحق ولم يتبعوه.
  3. الصنف الثالث الذين لم يعرفوا الحق بل يعبدون الله على جهل ولا يبحثون عن الدليل ولا يبحثون عن العلم، بل يتبعون ما وجدوا عليه الناس وما قال لهم فلان وعلان من غير دليل من وحي الله ومن تشريع الله سبحانه وتعالى.

وليس هذا خاصاً بالنصارى؛ بل كل من سلك هذا الطريق وعبد الله على جهلٍ وضلال ولم يطلب الدليل ولم يتبع الحق فإنه يكون مع النصارى، حتى وإن زعم أنه من المسلمين. وكذلك الذي يعرف الحق ولم يعمل به تكبراً وعناداً واتباعاً لهواه وشهوته، يكون مع اليهود ولو كان يدعي أنه من المسلمين، إنما يكون من المسلمين الذين أنعم الله عليهم، الذين عرفوا الحق وانقادوا له واتبعوه هؤلاء هم أهل الحق، فأنت في قراءتك لهذه السورة فأسأل الله أن يجعلك من الصنف الأول أهل العلم النافع والعمل الصالح، وتعوذ به من الصنفين: المغضوب عليهم، والضالين. فتنبه لنفسك أنت مع أي هذه الأصناف، تنبه لنفسك حينما تقرأ هذه السورة في صلاتك، هل أنت مع الصنف الأول أو مع الصنف الثاني أو مع الصنف الثاني؟ تأمل، وكلٌّ يعرف ما هو عليه.

هذه السورة ميزانٌ تزنُ به ما أنت عليه، وهذه السورة سورة عظيمة، وكلها دعاء، أولها دعاء عبادة وهو الثناء على الله سبحانه وتعالى وهذا يسمى دعاء العبادة، وآخرها دعاء مسألة وهو طلب الهداية من الله سبحانه وتعالى والثبات على الحق وطلب أن يعصمك الله من طرق أهل الزيغ وأهل الضلال، فهي كلها دعاء هذه السورة كلها دعاء، دعاء عباده ودعاء مسألة.

ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، (والصلاة المراد بها هنا الفاتحة سماها صلاةً، وهذا من أسماء الفاتحة، أي قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين)، فإذا قال العبد (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله جل وعلا حمدني عبدي، فإذا قال (الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله جل وعلا مجدني عبدي، فإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل. ولعبده ما سأل، فمن قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلى قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ هذه ثلاث آيات ونصف هذه لله سبحانه، ومن قوله وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إلى آخر السورة هذا للعبد دعاء يدعو به العبد لنفسه ويسأل الله جل وعلا لنفسه. وهذه السورة يقول العلماء اشتملت على معاني عظيمة .أولاً: فيها أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هذا توحيد الربوبية، الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ هذا توحيد الأسماء والصفات، الرحمان الرحيم مالك يوم الدين هذه من أسماء الله سبحانه توحيد الأسماء والصفات، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هذا توحيد العبادة توحيد الألوهية، فهي اشتملت على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. يأتي أحدٌ من المخرفين أو من الضلَّال أو من الجهَّال، ويقول أنتم تجعلون التوحيد ثلاثة أنواع، من أين لكم الدليل؟ التوحيد شيء واحد يكون وليس بثلاثة أنواع؟!! نقول سبحان الله، هذا الكلام جحودٌ لما في القرآن؛ الله ذكر أنواع التوحيد الثلاثة في القرآن، ابدأ بسورة الفاتحة بها أنواع التوحيد الثلاثة، هل تقول أنها كلها نوعٌ واحدٌ؟ ما هي بنوعٍ واحد، هي كلها توحيد لكن التوحيد أنواع، توحيد الربوبية وهذا هو توحيد الله في أفعاله سبحانه وتعالى كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير وأفعال الله هذا توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية هو توحيد الرب لأفعال العابد التي يتقرب بها إلى الله مثل الصلاة والصيام والحج والدعاء والخوف والرجاء والرغبة والرهبة والإنابة والاستعانة والاستغاثة هذه أفعال العباد يجب أن تكون خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، توحيد الله بأفعال العباد التي شرعها لهم هذا هو توحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات هو أن تثبت لله ما أثبت لنفسه من الأسماء والصفات وأن تنفي عن الله ما نفاه عن نفسه من النقائص والعيوب والتشبيه بالمخلوقات هذا هو توحيد الأسماء والصفات. فهي أول هذه السورة أنواع التوحيد الثلاثة، فيها إثبات الرسالات وفيها الإيمان بالكتب فالإيمان بالرسل والإيمان بالكتب في سورة الفاتحة، تأمل، هل يليق بالرب رب العالمين أن يترك عبادة بدون رسل وبدون كتب؟! لا، فهذا من مقتضى ربوبيته سبحانه وتعالى، ففيها إثبات الرسالات وإثبات الكتب الإلهية لأنها بمقتضى ربوبيته سبحانه وتعالى، وكذلك اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، من أين تعرف الصراط المستقيم إلا من الرسول صلًّ الله عليه وسلم ومن الكتاب والسنة، ففي قوله اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فيها أيضاً إثبات النبوات وإثبات الكتب، لأنه ما تعرف الصراط المستقيم إلا بذلك، الرسل هم الذين يهدون العباد إلى الصراط المستقيم، يعني يرشدونه ويبينون له، فيها إثبات البعث، من أين أخذنا ذلك؟ من قوله تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ هذا فيه إنه لا بد أن يأتي يومٌ يقوم فيه الحساب، الناس ما نشوفهم يحاسبون في الدنيا، أنتم تشوفون أحد يحاسب في الدنيا؟ يكفر ويفسق ويعصي، ويموت وهو على

 

شارك

التعليقات

Nader Khalifa
منذ 3 سنوات

جزاك الله خير الجزاء ونفع بك
سيكوني عبدالرفيع تايي
منذ 3 سنوات

أرجو الاستفادة بهذه الفوائد
محمد
منذ 3 سنوات

Thank you