03 من 03/ دروس التفسير في المسجد الحرام / الفاتحة /أحكام مستنبطة/صالح الفوزان/التفسير/ كبار العلماء

استمع على الموقع

إقرأ

3 من 3 دروس التفسير في المسجد الحرام_ الفاتحة_ أحكام مستنبطة_ صالح الفوزان_ التفسير

_ كبار العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم المكتبة الصوتية لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، دروس التفسير في المسجد الحرام للشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله، تفسير سورة الفاتحة.

الدرس الثالث: الحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

تقدم الكلام على سورة الفاتحة من حيث تفسير ألفاظها وبيان معانيها، والآن نرجع إلى بيان ما تدل عليه من أحكام عظيمة لأن هذه السورة هي أم القرآن، وأم الشيء هو الذي يرجع إليه ذلك الشيء، فالقرآن ترجع معانيه إلى ما تضمنته هذه السورة لأنها تضمنت مطالب عظيمة من أمور الدين، فهذه السورة فيها دعاء العبادة ودعاء المسألة فيها الدعاء بنوعيه، دعاء العبادة وهو الثناء على الله جل وعلا وتمجيده وحمده وهذا في أولها إلى قوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وفيها دعاء المسألة وهو الطلب (طلب الحوائج) من الله سبحانه وتعالى وهذا في قوله اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السورة، والدعاء بقسميه هو أعظم أنواع العبادة، كما قال النبي صلَّ الله عليه وسلم: "الدُّعاءُ هو العبادةُ"، ولذلك من دعا غير الله فقد أشرك بالله لأنه صرف أعظم أنواع العبادة لغير الله عز وجل، فالذين يدعون الموتى ويستغيثون بالأولياء والصالحين الميتين هؤلاء عبدوا مع الله غيره، حيث دعوا غير الله، الله جل وعلا يقول: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن،18]، ويقول: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون،117]، من يدعو مع الله، إلهنا قال لا يفلح الكافرون، سماه كافراً.

وفي هذه السورة أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. توحيد الربوبية في قوله رَبِّ الْعَالَمِينَ، فالرب هو المالك وهو المتصرف وهو الخالق وهو المدبر، هذا توحيد الربوبية أي إفراد الله جل وعلا بأفعاله كالخلق والرزق والإحياء والإماتة وتدبير الأمور هذا هو توحيد الربوبية وهذا لا ينكره أحد حتى المشركون عبدة الأوثان يقررون به أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر للأمور كما ذكر الله عنه ذلك في القرآن.

النوع الثاني توحيد الألوهية أي العبادة وهو توحيد الله بأفعال العباد التي يتقربون بها إليه سبحانه بما شرع هذا هو توحيد الألوهية من التأله وهو التعبد والإله معناه المعبود وهذا هو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم لأن المشركين ينكرونه ويعبدون مع الله غيره آلهة متعددة، ولهذا لمَّا قال النبي صلَّ الله عليه وسلم لهم "قُولوا لا إلهَ إلا اللهُ"، قالوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص،5]، هم يريدون أن تكون الآلهة التي تعبد متعددة وأن كلاً من يعبد ما يشاء، لا يريدون أن يعبدوا إلهاً واحداً، ولذلك أنكروا على الرسول صلَّ الله عليه وسلم لما قال لهم "قُولوا لا إلهَ إلا اللهُ"، لأن لا إله إلا الله مع معناها لا معبود بحقٍ إلا الله، وهذه دعوة الرسل كل رسولٍ يقول لقومه {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ }[هود،84]، تتبع القرآن وتتبع دعوة الرسل تجدها تدعو إلى هذا النوع من التوحيد وهو توحيد الألوهية، {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ }[هود،84]، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل،36]، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء،25]، كل الرسل يدعون إلى هذا، يدعون إلى عبادة الله والنهي عن الشرك، يأمرون بالتوحيد وينهون عن الشرك، هذه دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، وكل الآيات التي تتحدث عن العبادة والأمر بها والثناء على أهلها كلها في توحيد الألوهية، وكل الآيات التي تتحدث عن أفعال الله وقدرته وإرادته ومشيئته وتدبيره للكون والخلق والرزق والإحياء والإماتة كلها في توحيد الربوبية، توحيد الألوهية من سورة الفاتحة في قوله إياك نعبد وإياك نستعين هذا توحيد الألوهية، إياك نعود وإياك نستعين إلى آخر السورة، هذا كله في توحيد الألوهية، اهدنا الصراط المستقيم هذا دعاء مسألة وهو من توحيد الألوهية. 

النوع الثالث توحيد الأسماء والصفات، وهو أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلَّى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، على حد قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى،11}، هذا هو توحيد الأسماء والصفات، وهذا في سورة الفاتحة في قوله الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، هذا في توحيد الأسماء والصفات، وفي لفظ الجلالة الحمد لله، هذا لأن الله هو أعظم صفات الله، أعظم أسماء الله سبحانه وتعالى، (الله، الرحمن، الرحيم، مالك يوم الدين) هذه أسماء وصفات لله عز وجل، وكل الآيات التي في القرآن تتحدث عن أسماء الله وعن صفاته فهي في هذا النوع، كما قال تعالى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف،180]، قال تعالى {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ}[طه،8]، قال تعالى {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ}[الحشر،24]، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ}[الحشر،24،23،22]، هذا كله الأسماء والصفات، العزيز الحكيم الرؤوف الرحيم كل هذا لأسماء الله وصفاته هذا في القرآن ،وفي السنة كذلك ما ورد في الأحاديث الصحيحة من أسماء الله وصفاته يجب الإيمان به وإثباته لله عز وجل كما جاء، من غير تحريفٍ لمعانيه، من غير تحريفٍ لألفاظه، ومن غير تعطيلٍ لمعانيه، ومن غير تكييف يعني لا نسأل عن الكيفية، لأن الكيفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فنحن نثبت الأسماء والصفات ونؤمن بمعانيها كما جاءت، أما كيفيتها وحقيقتها فنحن لا نعلمها، ولهذا عندما جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله، وقال له {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه،5] كيف استوى، فأطرق الإمام مالك رحمه الله برأسه حتى علته الرحضاء (يعني العرق)، لأن هذا السؤال قبيح، فالإمام مالك رحمه الله أصابه العرق والخوف من الله عز وجل، لأن هذا أساء الأدب مع الله عز وجل، ثم قال مجيباً للسائل: الاستواء معلوم، (يعني معناه معلوم) والواجب أنك تسأل عن المعنى، والكيف مجهول لا يجوز السؤال عن الكيف، فيجوز أنك تسأل عن معاني الأسماء والصفات وتفهمها، أما الكيفية كيف استوى، كيف ينزل إلى السماء الدنيا، كيف يأتي يوم القيامة لفصل القضاء، أنت لا تسأل عن الكيفية الله أعلم بها، لأن الله لم يبينها لنا، ولهذا قال مالك الاستواء معلوم، والكيف مجهول والسؤال والإيمان به واجب، الإيمان بالاستواء واجب، والسؤال عنه (يعني عن الكيفية) بدعة، ثم أمر به فأُخرج من مجلسه، أمر بهذا الرجل فطرد من مجلسه، هذه أنواع التوحيد الثلاثة، وهي في القرآن في أول سورة في القرآن وهي الفاتحة، وفي آخر سورة في القرآن، وهي {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ}[الناس،3،2،1]، رب الناس هذا توحيد الربوبية، ملك الناس هذا توحيد الأسماء والصفات، ملك هذا اسم من أسماء الله، إله الناس هذا توحيد العبادة (توحيد الألوهية)، والقرآن مملوءٌ من ذلك من الآيات التي تدل على توحيد الربوبية، والآيات التي تدل على توحيد الألوهية، والآيات التي تدل على توحيد الأسماء والصفات، فهذه الأقسام الثلاثة أقسام التوحيد ذكرها العلماء بالاستقراء من القرآن، لأن بعض المبتدعة وبعض الجهال وبعض المتعالمين اليوم، يقولون من أين جئتم بهذه الأنواع الثلاث، نقول جئنا بها من القرآن، والعلماء ذكروها بالاستقراء للقرآن الكريم، وكل الآيات التي تتحدث عن الربوبية وعن أفعال الله جل وعلا فهي في النوع الأول توحيد الربوبية، وكل الآيات التي تتحدث عن العبادة والأمر بها والثناء على أهلها فهي في توحيد الألوهية، وكل الآيات التي تتحدث عن أسماء الله وصفاته فهي في توحيد الأسماء والصفات، ما جئنا بشيء من عندنا ولا قلنا على الله بغير علم، بل أخذنا هذا من كتاب ربنا عز وجل، وفي هذه السورة إثبات الرسالات، إثبات رسالة الرسل عليهم الصلاة والسلام، من أين أخذنا هذا؟

من قوله رب العالمين إذا كان رب العالمين يربيهم، هو الذي يربيهم سبحانه ويعلمهم ويدعوهم، فلابد أن يرسل الرسل لأن إرسال الرسل هو أعظم أنواع التربية وهو أعظم مقتضيات الربوبية، فلا يمكن أن يكون رب العالمين ويهمل الخلق ولا يرسل إليهم من يبين لهم دينهم ومن يدلهم على الله سبحانه وتعالى ومن يدعوهم إلى الله، لا يمكن أن يهمل الناس بدون رسل، لأن هذا مقتضى ربوبيته سبحانه وتعالى لعباده، ففيها إثبات الرسالات وفيها إثبات البعث والجزاء، إثبات البعث يوم القيامة والجزاء والحساب، وذلك من قوله مالك يوم الدين لأن يوم الدين هو يوم البعث والجزاء والحساب، سمي يوم الدين لأنه فيه الحساب والدين يطلق ويراد به الحساب، ويطلق ويراد به الشرع، دين الشرع، دين الحساب، كما قال صلَّ الله عليه وسلم "الكَيِّس من دان نفسه (يعني حاسبها) وعمل لما بعد الموت" الكَيِّس يعني العاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، يعني حاسب نفسه وعمل لما بعد الموت، فالدين يطلق ويراد به الحساب، {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ}[النور،25]، يعني حِسابهم وجزاءهم، ففيه إثبات البعث وأن الناس يبعثون بعد موتهم ويحاسبون ويجازون على أعمالهم سواء كانت خيراً أو شراً، ولا يهمل الله جل وعلا العباد يترك الكافر يكفر ويفسق ويعصي ولا يجازى ويترك الصالح يعبد الله طول عمره يعبد الله ويخاف من الله ويرجو الله ثم لا يجازى على عمله الصالح، هذا من العبث والله منزهٌ عن العبث، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون،115]، فنحن نشاهد كثيراً من عباد الله الصالحين يعيشون في هذه الدنيا في فقر وفي مرض وفي ضيق ولا ينالون شيئاً من جزائهم على إحسانهم وعلى عبادتهم، ونرى كثيراً من الكفار والملاحدة والمشركين يرفلون في أثواب النعم وهم يكفرون بالله عز وجل ويشركون بالله ولا ينالون العقوبة في هذه الدنيا، فدل على أن هناك يوماً يبعث الله فيه الخلائق فيجازي كلاً بعمله هذه حكمته سبحانه وتعالى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ، وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية،22،21] فلابد من البعث، ولو كان ليس هناك بعث لكان خلق الخلق عبثاً، والعامل يعمل بدون نتيجة الكافر لا يجازى والمؤمن لا يجزى بحسناته، هذا عبث يُنزه الله جل وعلا عنه، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص،28،27]، لا يمكن لا يليق بعدل الله وحكمته سبحانه، الدنيا في الغالب ما نشوف شيء من جزاء المحسنين وعقوبة الكفافرين، دل على أن هناك موعداً وداراً لا بد أن يجازى كل إنسان بعمله، فالدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء النتيجة في الآخرة نتيجة الأعمال الصالحة أو الفاسدة نتيجتها في الآخرة في يوم الدين يعني يوم الحساب، وفي هذه السورة العظيمة إثبات الهداية اهدنا الصراط المستقيم وأن الهداية بيد الله جل وعلا، الهداية بيد الله الهداية بمعنى التوفيق للحق وقبول حق هذا بيد الله، وأما الهداية بمعنى الدلالة والإرشاد هذه بيد الله وأيضا المخلوق يستطيع هذه الهداية أن يدعو إلى الله أن يرشد أن يبين الحق من الباطل، هذه الهداية تكون لله جل وعلا وتكون أيضاً للمخلوق من الرسل وأهل العلم الذين يدعون إلى الله ويبينون للناس ويهدونهم إلى الحق يعني يرشدونهم، فالآية فيها إثبات الهداية وأنها تُطلب من الله جل وعلا، الهداية تطلب من الله اهدنا الصراط المستقيم، اهدنا الهدايتين هداية الدلالة والإرشاد أي دلنا وأرشدنا، وهداية التوفيق وفقنا لقبول الحق والعمل به والثبات عليه، فأنت تطلب من الله الهدايتين هداية البيان والإرشاد وهداية التوفيق والتثبيت على الحق.

وفيها الرد على جميع الطوائف الكافرة ،هذه السورة بها الرد على جميع الطوائف الكافرة، فيها الرد على اليهود وفيها الرد على النصارى غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فيها الرد على الملاحدة الذين لا يثبتون خالقاً ولا يثبتون رباً، فيها الرد عليهم لأن الله قال الحمد لله رب العالمين أثبت الرب سبحانه وتعالى، وأن العالم له ربٌ وله خالقٌ يدبر شؤونه ويحكم فيه سبحانه، وليس هذا الخلق عبثاً أو بدون خالق، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ}[الطور،36،35] ففيها الرد على الملاحدة الذين ينكرون الرب سبحانه وتعالى، وفيها الرد على الذين ينكرون البعث ويستبعدون البعث ويقولون كيف للناس إذا ماتوا وصاروا تراباً ورميماً كيف تعود الحياة إليهم؟ وكيف هذه الأجسام المتحللة التي صارت تراباً وصارت رميماً كيف تعود كما كانت؟ يقيسون قدرة الخالق على قدرة المخلوق، في قدرة المخلوق هذا مستحيل، لكن في قدرة الخالق فإن الله جل وعلا لا يعجزه شيء، والذي خلقهم من العدم أول مرة قادرٌ على أن يعيدهم مرة ثانية، الله قادر على أن يعيدهم {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ}[ق،15] (يعني عجزنا عن الخلق الأول)، {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}[ق،15] الذي هو البعث نسأل الله العافية، {قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس،79،78]، الذي أنشأ الذي قدر على البداية من عدم قادرٌ على الإعادة، وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه، {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[لقمان،28]، ففيها إثبات البعث والرد على من أنكر، وإثبات الرب سبحانه وتعالى والرد على من أنكر من الملاحدة، وإثبات التوحيد والرد على المشركين الذين يعبدون غير الله سبحانه، إذن فيها الرد على جميع الطوائف، فهذه السورة سورة عظيمة، تتضمن هذه المعاني، والقرآن العظيم كله يدور على هذه المعاني، ولهذا سميت أمَّ القرآن سميت الفاتحة أمَّ القرآن، أم الكتاب، هذه السورة فرض الله قراءتها في الصلاة، قال صلَّ الله عليه وسلم: "لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب"، فقراءتها في الصلاة في كل ركعةٍ فرض، وهي ركنٌ من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بقراءة الفاتحة إلا الذي لا يستطيع قراءة الفاتحة فإنه يقرأ ما تيسر من القرآن، إن كان معه شيءٌ من القرآن يقرؤه، ولومه بالفاتحة يعني في قوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن،16]، وإن لم يكن معه شيءٌ من القرآن، فإنه يسبح الله ويحمد الله ويكبره ويهلِّله ثم يركع، كما قال النبي صلَّ الله عليه وسلم: "فإن كانَ معَكَ قرآنٌ فاقرَأْ وإلَّا فاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرهُ وَهَلِّلهُ ثمَّ اركَعْ"، فمن لا يعرف الفاتحة لا يترك الصلاة يصلي ولو لم يقرأ الفاتحة، إذا كان لا يعرفها يصلي، إن كان يستطيع أن يتعلمها يجب عليه أن يتعلمها ولا يصلي إلا بها، إن كان لا يستطيع أن يتعلمها أو ضاق الوقت ما يمضيه أن يتعلم، أو ما عنده أحدٌ يعلمه الفاتحة ما عنده أحد يدرسه الفاتحة فلا يترك الصلاة، يصلي، إن كان معه شيء من القرآن ولو غير الفاتحة يقرأ من القرآن، {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}[المزمل،20]، وإن لم يكن معه شيءٌ من القرآن فإنه يحمد الله ويهلله ويكبره، ولا يترك الصلاة، لأن قراءة الفاتحة ركنٌ في الصلاة فقط مع الإمكان ومع القدرة على تعلمها ومعرفتها، ولابد أن يقرأ الفاتحة على وضعها مرتبه الآيات، فلو نكس الآيات، لو قال الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لو نكس الآيات ما صحت قراءته، فلا بد أن يقرأها مرتبةً، ولا بد أن يقرأها كاملةً، فلو قرأ بعضها لم يجزي، لابد أن يقرأها كاملةً، ولا بد أن يأتي بالتشديدات التي فيها، الحروف المشددة لابد أن ينطق بها مشددة، لأن الحرف المشدد عن حرفين فلو ترك التشديد معناه ترك حرفاً من الفاتحة فلا بد أن يقرأها مرتبة مشددة، ولا يجوز تكرار الفاتحة في الصلاة، لأنها ركنٌ والركن لا يكرر، كما لا يكرر الركوع ولا يكرر السجود فإنه لا يكرر قراءة الفاتحة، تقرأ مرة واحدة في الركعة، يعني لا تكرر في الركعة الواحدة، أما أنها تكرر في الركعات، نعم تكرر في كل ركعة، لكن في الركعة الواحدة لا يكررها المصلي، لأنها ركن والركن لا يكرر.

فهذا بعض الكلام على هذه السورة العظيمة وما فيها من الأحكام العظيمة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بالقرآن، وأن يرزقنا وإياكم فهم القرآن وتدبر القرآن والعمل بما فيه، وأن يجعلنا من أهل القرآن، وأن يرزقنا وإياكم تلاوته آناء الليل وآناء النهار على الوجه الذي يرضيه عنا سبحانه وتعالى، وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وهادينا ودليلنا إليه وإلى جناته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه.

أما بعد، أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ وبارك الله فيكم وجزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء، سماحة الشيخ كثر السؤال عن أحكام الزكاة. 

السؤال الأول: بالنسبة لزكاة الفطر هل يجوز إخراجها داخل هذه البلد بالنسبة لأفراد خارج هذه البلد؟

نعم زكاة الفطر تابعة للبدن لأنها زكاة عن البدن، فتخرجها في البلد الذي يأتي نهاية الشهر وأنت فيه، تخرجها في البلد الذي يأتي نهاية شهر رمضان وأنت فيه، لأنها تابعة للبدن هي زكاة البدن، فتعطيها فقراء ذلك البلد، هذا هو الأصل ويجوز للإنسان أن يوكل في بلده من يخرج زكاة الفطر عنه، يجوز لا بأس، لكن الأفضل والأصل أن يخرجها في البلد الذي وفاه نهاية الشهر وهو فيه، هذا هو الأفضل، ويجزي أن يوكل واحداً أو أهله في بلده يخرجون عنه وعن أنفسهم لا بأس بذلك.

يقول السائل: هل يجوز إعطاء صدقة الفطر لمن يبيعها؟

المحتاج تعطى له ويتصرف بها حسب مصلحته، يمكن أن تكون مصلحته في بيعها، ويمكن أن تكون مصلحته في أكلها، ويمكن أن تكون مصلحته في سداد ديناً عليه، أنت أعطاه إياها ما دام أنه فقير أعطها إياه وهو يتصرف بها، ما عليك منه.

يقول السائل: هل يجوز للمعتكفين الخروج لإخراج صدقة الفطر؟

الاعتكاف ينتهي إذا كان يعتكف العشر، هو ينتهي بطلوع الفجر ليلة العيد، فيخرج بعد الفجر ويخرج صدقة الفطر.

أو يمكنه أن يوصي أهله أو يتصل عليهم ويخبرهم أن يخرجون الزكاة إذا كان يريد أن يخرجها قبل الفجر، يوعز إلى أهله فيخرجونها.

يقول السائل: أخرجت زكاة الفطر نقداً وقد علمت وقتها أن الزكاة تخرج طعاماً أرز أو غيره، فماذا أفعل؟ هل أخرجها مرةً أخرى طعاماً؟ أفتونا أفادكم الله.

نعم هذا هو الأبرء لزمتك أن تقضيها، إذا أخرجت نقود وعلمت أن النقود لا تجزي فإنك تخرجها قضاءً من الطعام. أحسن الله إليكم.

يقول السائل: يقول زوجتي طلبت مني الطلاق بعد مشاجرة مع العائلة وبعدها بستة أشهر طلقتها وتزوجت غيرها، ولكن بعدما سافرت اتضح أنها مظلومة.

مسائل الطلاق نحن لا نتدخل فيها لأنها تحتاج إلى تثبت، تحتاج إلى حضور الطرفين الزوج والزوجة. هذا يحول أو يحال إلى المحاكم الشرعية أو إلى دور الإفتاء.

يقول السائل: لقد جامعت في شهر رمضان ولكن لم أنزل وكنت أعتقد أن الجماع هو الإنزال، فهل علي شيءٌ في ذلك؟ جزاكم الله خيراً.

نعم إذا جامع في الفرج وأولج في الفرج عليه الكفارة ولو لم ينزل، لأنه حصل الجماع، والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فإنه يصوم شهرين متتابعين مع قضاء اليوم الذي جامع فيه. أحسن الله إليكم.

يقول السائل: هل على الجنين الذي في بطن أمه زكاة فطر؟

ليس عليه زكاة فطر واجبة، الحمل في البطن ليس عليه زكاة فطر واجبة، ولكن يستحب إخراجها عنه، كما هو قول عثمان رضي الله عنه، وقول كثير من أهل العلم، يستحب أن تخرج عن الحمل من باب الاستحباب.

يقول السائل: ما رأيكم في قول القائل إلهنا ليس في الوجود إلهٌ غيرك فيدعى، وليس في الكون ربكٌ سواك فيرجى، هل في هذا القول موافقة لعقيدة أهل الحلول والاتحاد؟ وهل هناك فرق بين الكون والوجود؟

هذا يحتاج إلى تثبت هل هذا واردٌ عن الرسول صلَّ الله عليه وسلم نحن نسمعه من الذين يدعون ويقنتون، ولكن يحتاج إلى تثبت عن النص هذا، هل ورد عن الرسول صلَّ الله عليه وسلم، ومعناه صحيح، معناه أنه ليس هناك ربٌ إلا الله سبحانه وتعالى، ليس في الكون ولا في الوجودليس هناك ربٌ إلا الله جل وعلا، المعنى صحيح أما اللفظ يحتاج إلى أن يراجع ويتثبت منه، وليس هذا من الحلول، الحلول الذي يقول إن الله في جميع الأمكنة هذا هو الحلول، أما الذي يقول إن الله جل وعلا هو رب الخلق وهو رب الوجود فليس هذا من الحلول {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ}[الأنعام،3]، فهو في السماء جل وعلا ويعلم ما في الأرض {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}[آل عمران،5]، فهو في السماء مستوٍ على العرش ولا يخفى عليه شيءٌ في الكون كله، لا أعلاه ولا أسفله، ما يخفى عليه شيءٌ سبحانه. أثابكم الله.

يقول السائل: أنا أصلي وأصوم ولله الحمد ولكن قبل ذلك كنت مفرطاً في الصلاة والصوم ولا أعلم كم عدد الأيام التي فرطت فيها فماذا علي بعد التوبة؟ وجزاكم الله خيراً.

إذا كنت لا تصلي تاركاً للصلاة متعمداً فلست على دين، حتى لو صمت وأنت لا تصلي صيامك ليس بصحيح. لا يصح الصيام من تارك الصلاة لأن الصلاة آكد من الصيام هي الركن الثاني، أما الصيام فهو الركن الرابع، فلا يصح الصيام من تارك الصلاة، فإذا كنت تاركاً للصلاة سواء صمت أم لم تصم فصومك ماله قيمة، فعليك التوبة إلى الله والمحافظة على الصلاة وعلى الصيام في المستقبل، وأما ما مضى فلا تقضيه.

يقول السائل: ما قيمة إخراج الزكاة عن الفرد الواحد؟

الزكاة ليست بالقيمة، صدقة الفطر ليست بالقيمة، الطعام، يخرج من الطعام صاعاً من الطعام، وسيأتي إن شاء الله في الدرس القادم الكلام على صدقة الفطر وأحكامها وتفاصيلها، وليست تخرج من النقود، تخرج من الطعام. أحسن الله إليكم.

يقول السائل: قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى في عقيدته الأمن والإياس ينقلان عن الملة، هل المسلم الذي يأتي بالطاعات والعبادة بكثرة ولكن ييأس ويقنت بأن الله سبحانه لا يقبل منه هذه العبادة وأنه من أهل النار، هل هو كفر؟

نعم كفر، الذي يقنط من رحمة الله هذا كفر {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر،56]، {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف،87]، فلا يجوز القنوط من رحمة الله ولا اليأس {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر،53]، بدل أن تيأس من رحمة الله الواجب أن تتوب إلى الله عز وجل، والله يتوب على من تاب، ولو كانت ذنوبك كثيرة وعظيمة فإن الله يمحوها عنك، ويغفرها لك.

ويقول: كيف يعرف المسلم أنه حسن الظن بالله أو سيئ الظن بالله؟

يعرف ذلك من سيرته واعتقاده في قلبه، إذا كان يحسن الظن بالله يعمل الأعمال الصالحة ويدعو الله فهذا دليلٌ على حسن ظنه بالله، وإذا كان لا يدعو الله ولا يعمل الأعمال الصالحة فهذا دليلٌ على سوء ظنه بالله عز وجل، دليل على حسن الظن العمل والنية التي في القلب. أحسن الله إليكم.

يقول السائل: قلتم في أحد دروسكم السابقة أن الجرح والتعديل لا يكون إلا في الأسانيد، فهل فعل أئمة السلف في تجريح أهل البدع والأهواء والرد عليهم وبيان أخطائهم هل هذا يعتبر من الغيبة؟ مع العلم بأنه ليس متعلق بالأسانيد. أفيدونا جزاكم الله خيراً.

نعم الجرح والتعديل خاص بالأسانيد رواة الحديث، وأما الرد على أهل البدع هذا لا يسمى جرح ولا تعديل، هذا يسمى بيان الخطأ والضلال مثلما تنهى عن الشرك، تأمر بالتوحيد، وتأمر بالسنة وتنهى عن البدعة، هذا ليس بجرح وتعديل، هذا أمرٌ بالحق ونهي عن الباطل، أما الجرح والتعديل هذا خاص بالأسانيد، وكتبته تسمى كتب الجرح والتعديل، هذا في الرواية، وهو عند المحدثين، وأما الرد على المبتدعة، والرد على أهل الضلال فهذا ليس من باب الجرح والتعديل وإنما هو من باب بيان الحق وليس هو من الغيبة بل هو من النصيحة، هذا من النصيحة للمسلمين، وبيان الضلال وبيان الخطأ وبيان الصواب في المسائل هذا من النصيحة للمسلمين، وليس من الغيبة. أحسن الله إليكم.

يقول فضيلة الشيخ بارك الله في علمكم، قال الله تعالى: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}[الإسراء،80]، السؤال، ما هو المدخل الصدق؟

مدخل الصدق والله أعلم الهجرة، الرسول أمره الله لما ضايقه أهل مكة وحصل منهم من الأذى عليه وعلى أصحابه، أمره الله أن يسأل ربه أن يدخله مدخل صدق، يعني بلد طيب، وأن يخرجه مخرج صدق، يعني من مكة وأهلها بلاد الشرك وبلاد الشر والكفر، هذا والله أعلم يختص بالهجرة، وقد استجاب الله له، فأخرجه من مكة سالماً لم يتعرض لأذى، وأدخله مدخل صدق هيأ له المدينة وأهل المدينة والأنصار فاستقبلوه وأكرموه وناصروه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.أحسن الله إليكم.

يقول السائل: هل يعتبر عمل البنوك من قبيل الربا؟ ومن ثم فهل راتب موظف البنك من حرام؟

العمل في البنوك لا يجوز، لأنه إن كان يشتغل في معاملاتٍ ربوية فهو يصدق عليه الحديث "لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ"، الذي يكتب المعاملات الربوية ويوثقها هذا كاتب للربا يدخل في اللعنة، وإن كان لا يشتغل بالمعاملات بل يشتغل بأعمالٍ أخرى من أعمال البنك فهذا متعاونٌ مع البنك، متعاون، الله جل وعلا يقول: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة،2]، فهو لا يخلو، إما أن يكون عاملاً بالربا وإما أن يكون متعاوناً مع أهله، والواجب من المسلم أن يبتعد عن البنوك ولا يتوظف فيها ولا يعمل فيها، وأبواب الرزق واسعة ولله الحمد، يطلب الرزق في أبوابه المباحة. أثابكم الله.

يقول السائل: إذا كان الإنسان مسافراً مثلاً إلى العمرة، فهل عليه أن يأتي بالنوافل كالرواتب وركعتي الوضوء والضحى وغير ذلك من النوافل؟

أما الرواتب، إذا كان يقصر الصلاة فإنه لا يأتي بالرواتب، لقول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: لو كنت مسبحاً لأتممت، والمسبح يعني المتنفل، الله خفف عنك في الصلاة المفروضة، فلا تأتي بالراتبة، أما النفل المطلق، مثل صلاة الليل، ومثل الوتر، ومثل ركعتي الفجر راتبة الفجر، هذه ما تترك خصوصاً الوتر وراتبة الفجر لا يتركان لا حضراً ولا سفراً، وأما صلاة الليل، فإذا تيسر لك فصلِّ الليل وأنت مسافر، النبي صلَّ الله عليه وسلم كان يتهجد على راحلته، كان يتهجد وهو يسير في الطريق راكباً على راحلته أينما توجهت به يصلي من الليل، فلا مانع أن تتهجد بالليل وأنت مسافر، ولا مانع أن تصلي الضحى وأنت مسافر.

يقول السائل: البعض يقول بكراهية الصلاة بالبنطلون والقميص أو بالبدلة والكرافات. رجاء بيان ذلك أفادكم الله.

المهم أن المصلي يستر عورته باللباس، وله أن يلبس ما تيسر له من الملابس المباحة اللائقة بالرجال، سواءً وزار أو ثوب أو بنطلون، إلا أن البنطلون يقولون إنها لا تمكن المصلي من السجود على المطلوب والجلوس على المطلوب لأنه ضيق، ولا يتمكن المصلي إنه يجلس بين الركعتين في التشهد الأول والأخير (ويقصد هنا الجلسة المطلوبة المستحبة)، لأن لباسه ضيق يمنعه من ذلك، فينبغي أن يلبس لباساً يتمكن معه من الجلوس في الصلاة والركوع والسجود على الوجه المطلوب، أثابكم الله.

يقول السائل: عندنا بعض الناس الذين يتبركون بالقبور ويحتفلون بالمولد، وكنت أنصحهم بأن هذه من البدع، لكنهم حاربوني وقاطعوني، فهل أستمر في ذلك؟ جزاكم الله خيراً.

التبرك بالقبور هذا شرك، وأما الاحتفال بالمولد هذا بدعة وليس شركاً إلا إذا كانوا يستغيثون بالرسول في الحفل، لأن بعضهم يستغيث بالرسول في الحفل ويستنجد بالرسول فهذا شرك، أصل المولد بدعة ويضاف إليه الشرك، والشرك هنا هو دعاء الرسول والاستغاثة به وطلب النصر من الرسول صلَّ الله عليه وسلم شيء، وهذا شرك. وأنت استمر جزاك الله خيراً استمر في إنكار هذه الأشياء والدعوة إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تيأس من هدايتهم، لو يهتدي واحد منهم لكان ذلك خيراً كثيراً، قال صلَّ الله عليه وسلم: "فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم"، استمر على هذا العمل الطيب وهو النصيحة وإنكار البدعة وإنكار الشرك، والدعوة إلى التوحيد والسنة وأنت مأجورٌ إن شاء الله، ولو قاطعوك ولو ضايقوك اصبر على هذا، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ}[لقمان،17]، لابد من الصبر، والذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو الناس إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك سيلقى منهم الأذى ويلقى منهم المضايقات، لكن يصبر، اصبر على ذلك لأنه في سبيل الله عز وجل. أحسن الله إليكم.

يقول السائل: ما هي سنة النبي صلَّ الله عليه وسلم في انتهاء الاعتكاف؟ هل يكون الانتهاء فيه ليلة العيد أو آخر ليلة من ليالي رمضان؟ وجزاكم الله خيراً

نبينا صلَّ الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه بعد غروب الشمس في أول ليلة من ليالي العشر بعد غروب الشمس، وكان يخرج لصلاة العيد، كان يخرج من معتكفه لصلاة العيد. أحسن الله إليكم.

يقول السائل: ما الواجب على المستفتي عند تعدد الفتوى؟ وهل تعد الفتوى من الاختلاف في الدين؟

أولاً: ما ينبغي للإنسان أن يكثر الأسئلة للعلماء بمسألة واحدة يسأل هذا وهذا وهذا عن مسألة واحدة. ينبغي أن يختار واحداً ممن يثق بعلمه وبدينه ويسأله، ويعمل بقوله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل،43]، اختار واحد ممن يثق بعلمه ودينه يسأله ولا يسأل الآخرين، إلا في مسائل أخرى لا بأس، أما مسألة واحدة يسأل عنها عدة مشايخ سيحصل شيء من الارتباك والاختلاف، فالعامي يختار واحداً ممن يثق بعلمه ودينه ويسأله ويعمل بما يرشده إليه، لأن هذا وسعه وهذا ما يستطيعه. أما طالب العلم عند اختلاف الفتوى وعند اختلاف الأقوال، فإنه يعرض الفتاوى ويعرض الأقوال على الأدلة من الكتاب والسنة، فما وافق الدليل من الفتاوى والأقوال أخذ به، وما خالف الدليل ترك، هذا إذا كان طالب علم يستطيع أن يوازن بين الأقوال وبين الأدلة، أما العامي الذي لا يعرف، هذا يختار واحد ممن يثق بعلمه ودينه يسأله، ويكتفي بسؤاله. أحسن الله إليكم.

يقول السائل: المسجد الذي في حيِّنا يوجد خلفه قبر يزار ويعبر، ولكن هذا القبر مفصول عن المسجد، وهذا أقرب مسجد، فما حكم الصلاة فيه؟

إذا كان القبر مفصولاً عن المسجد بشارع أو بساحة من الأرض، فضاء، فلا بأس بالصلاة في هذا المسجد، لأنه لا علاقة له بالقبر، إذا كان منفصلاً، وبينه وبين القبر مساحة من الأرض فضاء أو بينهما شارع يمشي فيه الناس فلا بأس بالصلاة في المسجد، لأنه لا محظور فيه.

يقول السائل: أيهما أفضل وقت الدرس، استماع الدرس أو الطواف؟

استماع الدرس أفضل، لأنك قد تستفيد فوائد ينفعك الله بها في المستقبل، والطواف عبادة لكن طلب العلم هو أفضل أنواع العبادة، ويقول بعض السلف لأن أتعلم مسألة من العلم أحب إلي أن أقوم ليلة، لأن تعلم العلم ينفعك الله به وينفع غيرك، نفعه متعدي، أما العبادة من طواف أو صلاة نفعها قاصر على صاحبها ما يتعدى إلى الناس، والعبادة التي يتعدى نفعها أفضل من العبادة التي يقتصر نفعها على صاحبه، فطالب العلم يطلب العلم لنفسه ويطلب العلم للناس لكي يبين لهم ويرشدهم، وينفع نفسه وينفع غيره، أما المتعبد هذا ينفع نفسه فقط، ولا ينفع غيره. أحسن الله إليكم.

يقول السائل: ينطلق الباص للسفر إلى سوريا مساء غدٍ إن شاء الله، وتمنيت أن أحضر ختمة القرآن الكريم، كيف لي حضورها وقد علمت أن آخر أعمالنا الطواف؟ هل يمكنني أن أطوف بين المغرب والعشاء وأصلي القيام؟ أرجوك أرشدني كي أتمكن في حضور ختمة القرآن.

هذا راجع لظروفك. إذا أمكن أن تطوف بين المغرب والعشاء وتصلي صلاة القيام وتحضر الختم هذا شيء طيب تجمع بين المصلحتين، تجمع بين أجر الطواف وأجر الصلاة وحضور الدعاء، أما إذا لم تتمكن فحضور الصلاة أفضل ما في شك، حضور الدعاء أفضل، والطواف ليس بواجب، طواف الوداع في العمرة ليس بواجب، إلا في الحج طواف الوداع واجبٌ من واجبات الحج، وليس هو واجباً في العمرة، لكن إن تيسر لك هذا وهذا فيكون أحسن، وإلا فالصلاة صلاة القيام وحضور الدعاء أفضل من الطواف، ولو لم تطف فلا حرج عليك، لأنه ليس عليك طوافٌ واجبٌ للوداع. أحسن الله إليك.

شارك