سيرة ذاتية – في موكب الدعوة -13-البيان الشرعي لمسألة العلاقة بين الحاكم والمحكوم|صالح الفوزان

استمع على الموقع

إقرأ

سيرة ذاتية – في موكب الدعوة -13- (البيان الشرعي لمسألة العلاقة بين الحاكم والمحكوم)

- الشيخ صالح الفوزان-

بسم الله الرحمن الرحيم، المكتب الصوتية لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، حلقات تُبث في إذاعة القرآن الكريم:

"في موكب الدعوة"

: شيخ صالح، لا شك أن هناك العديد في الوقت الحاضر من المفاهيم التي حاول البعض المساس بها أو تعكيرها، وهناك قضية أو ما يُعرف بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والعلاقة بين الحاكم والرعية حاول البعض إيجاد شيء من اللبس والتشكيك في هذه العلاقة وظهرت في الساحة العديد من المفاهيم والأغلاط في هذا الأمر، بودي من الشيخ صالح الفوزان أن يتفضل يتكرم مشكورًا ببيان البيان الشرعي في هذه المسألة المهمة.

: لا شك أن هذه جزء من المكر الخبيث الذي يحوكه أعداء الإسلام، كما حاكوا قضية المرأة وحاكوا أيضًا قضية العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ لأنهم يعلمون أنه إذا حصل الوئام بين الحاكم المسلم وبين الرعية المسلمة حصل الاجتماع، حصلت القوة، حصلت المواجهة مع الأعداء، هم يريدون أن يطوِّروا هذا البعاد وأن يفصلوا بين الحاكم وبين المحكومين حتى يتنافى المجتمع، وحتى يسهُل اقتلاع المسلمين والتدخل في شؤونهم.

الله -جل وعلا- أولى هذا الأمر عناية عظيمة، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]

عندنا آيتان كما يقول شيخ الإسلام أبن تيمية، آيتان: واحدة للراعي والثانية للرعية التي في الراعي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، هذه توجيه للرعاة { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]
 

الآية التي بعدها في الرعية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]

فلو أن الرعاة والرعية عملوا بهاتين الآيتين لحصل الخير كله، ولانسد على دعاة الفتنة ودعاة الشر انسد كل طريق للإفساد، ولذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية على هاتين الآيتين كتابًا مستقلًا أسماه: "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية" وهو كتاب مطبوع ونافع ومتداول يجب الرجوع إليه في هذا الأمر المهم، فلا شك أن طاعة ولاة أمور المسلمين أنها أمر مهم، وهي طاعة لله، وطاعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصا الأمير فقد عصاني."

وأمر بطاعتهم ولو جاروا ولو ظلموا ما لم يرتكبوا مُكفِّرًا ناقضًا من نواقض الإسلام، لما في ذلك من المصلحة العامة، ولما في الخروج عليهم من المفاسد العظيمة وإن كان بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولأن ما يتركب من الخروج عليهم من سفك الدماء وتفريق الكلمة وتسلط الأعداء أعظم مما يحصل من إنكار المنكر الجزئي، إنكار المنكر الجزئي.

وإنكار المنكر إذا ترتب عليه منكر أعظم فإنه لا يجوز من باب ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما فالواجب طاعتهم إلا إذا أمروا بمعصية الله فإنهم لا يُطاعون في معصية ولكن يُطاعون في غيرها من الأوامر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق." قال -عليه الصلاة والسلام-: "إنما الطاعة في المعروف." (؟؟20:21) بالمعصية، لكن يُطاعون في غيرها مما ليس فيه معصية لما في ذلك من جمع الكلمة وحزم الرعية ويقول شيخ الإسلام كلامًا معناه: "ما خرجت أمة على رُعاتها إلا حصل من الفساد من مفسدة البقاء على طاعتهم." هذه قاعدة معروفة وإذا تتبعت واقع العالم وجدت هذا صحيح حتى عند الكفار، الكفار إذا أطاعوا لرؤسائهم وانقادوا لولاتهم حصل لهم الأمن وحصل لهم الاستقرار وهم كفار كما تعلمون من حالة الدول الكبرى وإذا حصل منهم نزاع بينهم وبين رُعاتهم حصل الفساد، فكيف بالمسلمين؟!! وإذا استقرأت التاريخ وجدت ما يحصل من المفاسد في الخروج على الولاة أعظم مما يحصل من المفاسد في البقاء على طاعاتهم مع معصية جزيئة.

أما إذا وصل الأمر إلى الكفر والخروج عن الإسلام فإنها لا تجوز طاعتهم {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اسمعوا وأطيعوا إلا أن ترَوْا كفرًا بواحًا عندكم عليه من الله برهان.

وإذا قرأت تاريخ المسلمين وما حصل من الخوارج والمعتزلة في منازعتهم لولاة الأمور وما حصل من الويلات والحروب، وما حصل من تسلط الأعداء وسفك الدماء عرفت قيمة أوامر الله وأوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من السمع والطاعة واجتماع الكلمة.

: أحسنتم أثابكم الله.

شارك