سيرة ذاتية – في موكب الدعوة |الحلقة الثالثة|صالح الفوزان|كبار العلماء

استمع على الموقع

إقرأ

سيرة ذاتية "في موكب الدعوة" -الحلقة الثالثة- 

كبار العلماء - الشيخ صالح الفوزان

بسم الله الرحمن الرحيم، المكتب الصوتية لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، حلقات تُبث في إذاعة القرآن الكريم:

"في موكب الدعوة"

بسم الله الرحمن الرحيم، الصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين:

أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله مع هذا اللقاء الجديد من برنامجكم "في موكب الدعوة".

يسرنا أن نواصل الحديث مع فضيلة الدكتور صالح الفوزان بن عبد الله الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء لنستضيفه في هذا البرنامج "في موكب الدعوة"، وقد تفضل مشكورًا للإجابة وعلى مدى حلقتين متتابعتين عن العديد من الجوانب المهمة سواءً من توجيهه لإخوانه المسلمين أو سواءً في حديثه عن حياته ومشائخه وطلبه للعلم وشيئًا من الجوانب المتعلقة بذلك.

في مطلع هذا اللقاء باسمكم جميعًا أرحب بفضيلة الشيخ صالح وأشكر له قبوله دعوة البرنامج، حياكم الله فضيلة الشيخ صالح.

: حياكم الله وبارك فيكم.

: شيخ صالح -حفظكم الله- ننتقل إلى جانب مهم وسؤال آخر أعتقد وأحسب أنه من المُتعيَّن أن نطرحه على فضيلتكم، شيخ صالح لا شك أهمية أن للإعلام له دور مهم في توجيه الناس والتأثير عليهم سلبًا وإيجابًا، كيف ترون أهمية المشاركة من قِبل طلبة العلم والعلماء في وسائل الإعلام لاسيما في هذا الوقت الذي يُسمى عصر الإعلامي فحسب؟

: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلا شك أن توجيه الأمة في العصر الحاضر أهم ما يتولاه الجهتان، الجهة الأولى: جهة التعليم، والجهة الثانية جهة الإعلام، فالواجب على هاتين الجهتين أن يعرف كل منهما مسؤوليته وتأثيره على مجتمع المسلمين.

فعلى جهة التعليم أن تتقي الله -سبحانه وتعالى- وأن توجه شباب المسلمين وأبناء المسلمين إلى ما فيه صلاحهم وصلاح مجتمعهم، وأن يعتنوا بتوجيههم الوِجهة السليمة في عقيدتهم، وفي عبادتهم، وفي معاملاتهم، وفي أخلاقهم، وذلك بالمحافظة على المناهج المستقيمة التي وضعها أهل العلم واستمرت سنين طويلة وهي يُستفاد منها في مجال التعليم.

على المسؤولين على التعليم أن يحافظوا على هذه المناهج السليمة التي وضعها أهل العلم وأهل الخبرة ليستمر العطاء النافع، والعطاء الخيِّر.

والناحية الثانية جهة الإعلام، والإعلام أيضًا أهم من ناحية، التعليم أهم من ناحية أنه يُركز في الشباب ويُركز في الناشئة المعلومات الصحيحة ويحذرهم من المعلومات الخاطئة والمعلومات السيئة فهو لجهة خاصة من الناس، وهم الشباب.

أما الإعلام فهو أهم من ناحية أنه شامل للشباب ولغيرهم، وللحاضرة وللبادية؛ ولأنه يدخل في البيوت، ويدخل في الدكاكين، ويدخل في المراكب البرية والبحرية والجوية، يصاحب الإنسان معه في كل حياته حتى على فراشه، فالإعلام هيئة مهمة تنفذ إلى البيوت وإلى أي مكان، تصاحب الناس الذكور والإناث، الكبار والصغار، والحاضرة والبادية؛ فعلى المتولين من ناحية الإعلام أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يمحصوا مناهج، أو برامج، يُمحصوا برامج الإعلام ويجعلوها ويوظفوها في ما هو نافع ومفيد للناس في دينهم ودنياهم، وأن يجنبوا برامج الإعلام ما هو سيء، وما هو منحرف، وما هو مضيعة للوقت؛ فإن الإعلام إذا صلُح وجه الأمة خير وجه، وإذا حصل فيه خلل حصل الخلل على جميع الناس، ويتولى كبر الاثم في ذلك من يقومون على وسائل الإعلام؛ لأنهم هم المسؤولون أمام الله سبحانه وتعالى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته." فلا شك أن القائمين على الإعلام أنهم رعاة على ما استرعاهم الله عليه، وأنهم سيُسألون يوم القيامة.

فالإعلام إذا وُجه وِجهة سليمة صار أداة نافعة وأداة مفيدة، وإذا وُجه توجيهًا سيئًا امتدَّ ضرره على جميع الناس.

وأما العلماء والدعاة إلى الله عز وجل فيجب عليهم الدخول في هذا المجال، يجب عليهم الدخول في برامج، في البرامج الإعلامية، وأن يُشاركوا فيها؛ لأنها وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- فعليهم أن ينتهزوا هذه الفرصة، وأن لا يتركوها لغيرهم، بل هم ينتهزون الفرصة ويدخلون في هذا المجال ويُشاركون فيه بأكبر إسهام ممكن؛ ليُحصل بذلك النفع للمسلمين في تعليمهم، في إفتائهم والإجابة عن مشكلاتهم، في توجيههم لما فيه صلاحهم وصلاح الدين، في تحذيرهم، في تحذيرهم من الشرور ومن الفتن الزاحفة والدعايات المضللة، فإن هذا مجال أهل العلم، ومجال أهل الدعوة.

: أحسنتم أثابكم الله شيخ صالح، شيخ صالح -حفظكم الله- الحقيقي يسود العالم الإسلامي في الوقت الحاضر العديد من مظاهر العودة والرجعة إلى الله -سبحانه وتعالى- وهي مظاهر مُبَشِّرة -ولله الحمد- البعض ينظر إلى هذه التَوُجُهات بحذر وأنها ليست على علم شرعي أصيل، ولذلك من الممكن أن تزول وتتلاشى من وقت لآخر، والبعض ينظر إلى هذه الرجعة أو ما يُعرَف في مصطلح البعض "الصحوة الإسلامية" بنظرة تفاؤل كبير، شيخ صالح ما هو تعليقكم على مثل هذا الأمر؟

: لا شك أن هذا الدين سيظهر مهما تكالب الأعداء، ومهما وقف ضده أهل الشر فإنه سيظهر وسيتغلب -بإذن الله-، قال الله -جل وعلا-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]

فلابد أن يظهر هذا الدين بسلطته ونفوذه، أو بسلطانه ودليله ووضوحه على ما خالفه من الأديان، ومن عارضه من المعارضين هذا لابد منه.

ولابد أن تتضح الحقيقة أمام العقلاء مهما زيَّف الأعداء ومهما روجوا ضد أهل الدين فإن شمس الحقيقة ستكشف هذا الضباب الذي روجه أعداء الدين حول هذا الإسلام، وحول هذا الدين الذي بعث الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله -جل وعلا-: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]

لابد من هذا، وأما ما تفضلت به من صحوة الشباب وعودتهم إلى الخير، وكثرة التائبين والراجعين إلى الله فهذا من هذا الباب الذي ذكرت، هذا من ظهور الدين وظهور الحقيقة، وأن الناس ملُّوا الآن من المناهج والمذاهب الأخرى والمُغريات، وملُّوا من الكذب والدجل، اتجهوا إلى الحقيقة، وليس أمامهم حقيقة إلا هذا الدين، الباقي كله زخرف وكله بَهْرَج وكله كذب، فرجوع الناس إلى هذا الدين أمر حتم، وهذا شيء أخبر الله -سبحانه وتعالى-، أخبر الله -جل وعلا- عنه: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33]، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36] 

هذا شيء حقيقة، شيء ثابت، وتوجه الشباب وتوجه الناس نحو هذا الدين هذا مما أخبر الله عنه سبحانه وتعالى، ولكن الشأن باستغلال هذا التوجه؛ فإن استُغل هذا التوجه من الشباب وغيرهم نحو الدين استغلالًا حسنًا وفُقِّهوا في دين الله -عز وجل- ورجع هؤلاء الشباب وهؤلاء التائبين رجعوا إلى أهل العلم واسترشدوا بآرائهم، صار هذا الرجوع حقيقية واستمر وأفاد، أما إذا استغل هذا الرجوع أهل الشر وأهل النفاق فوجهوا هؤلاء الراجعين إلى الدين وجهوهم توجيهًا سيئًا، وزيفوا عليهم الحقائق باسم الدين فإن العاقبة ستكون سيئة.

فالخوارج من قبل كان عندهم دين وعندهم حماس، عندهم محبة للجهاد في سبيل الله وغيرة على الدين، وعندهم عبادة عظيمة من صيام وصلاة وتلاوة قرآن، ولما لم يكونوا على وجه صحيح ويرتكز توجههم على دين صحيح وفقه في دين الله صار وبالًا عليهم، صار وبالًا عليهم وحصل عليهم من النكبات ما حصل، كل هذا بسبب عدم التوجه الصحيح وعدم الرجوع إلى أهل العلم، وعدم الرجوع إلى أهل الفقه في دين الله -عز وجل-، ولما استقلوا برأيهم واستثارهم الأشرار باسم الدين والغيرة حصل عليهم وعلى غيرهم من النكبة ما حصل فالواجب على أهل الصحوة وعلى الراغبين في دين الله -عز وجل- نسأل الله أن يزيدهم من الخير وأن يزيدهم من الثبات، لكن نزيدهم  وننصحهم أن يتوجهوا إلى العلم الصحيح وإلى أهل العلم، وإلى تلقي العلم عن أهله، وإلى استغلال فرصة وجود العلماء لينهلوا من علمهم وتوجيههم، وأن يستشيروا أهل الرأي وأهل الخبرة أيضًا وأهل العقول السليمة من كبار السن ومن أهل الخبرة
، وألا يستقِلُّوا برأيهم وألا يستغلوهم أعداهم الأشرار باسم الدين، ممكن أن يُوظَّف الدين لمحاربة الدين، وهذا شيء واقع، ممكن أن يُوَظَّف اسم الدين لمحاربة الدين والقضاء عليه كما فعل المنافقون من قبل { وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [آل عمران: 72]

فمكرُ قديم واستغلال الدين، واستغلال هدم الدين باسم الدين هذا قديم، فعلينا أن نتنبه لهذا الأمر.

 فهذا الرجوع وهذه الصحوة، هذه إن وُجهت توجيهًا صحيحًا أصبحت خيرًا على أهلها وعلى غيرهم، وإن استُغِلَّت استغلالًا سيئَا من قِبَل أهل الشر وأهل النفاق ودُعاة الضلال، أو أن هؤلاء أهل الصحوة اعتمدوا على أنفسهم وعلى علمهم، وزهدوا بما عند غيرهم من العلم حصل الشر وحصل الفساد باسم الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 : حفظكم الله شيخ صالح، شيخ صالح حفظكم الله المرأة المسلمة في ذلك الوقت تواجه العديد من السهام المسمومة التي تحاول المساس بكرامتها وعفتها وإبعادها عن الطريق السوي والصحيح.

المرأة المسلمة أعتقد أنها من أحوج الناس إلى أن تستمع إلى كلمة من فضيلة الشيخ صالح الفوزان في هذه المناسبة.

: المرأة المسلمة لا شك أن لها مكانة عظيمة في الإسلام وفي التربية والتوجيه، وفي القيام بعبء من أعباء الحياة؛ فالمرأة عون للرجل، الرجل لا يستطيع الاستقلال بنفسه وبمهمته إلا بجانبه المرأة، تقوم بدورها وبهمتها، ومنذ أن خلق الله آدم -عليه السلام- خلق منه زوجه {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ} [الأعراف: 189]

لاحظ قوله {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]، يحصل بينهم السكن، قال -جل وعلا- {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]

ومن أعظم فوائد المرأة بجانب الرجل حصول السكن بين الزوجين.

 السكن يعني السكينة والطمأنينة بأن يطمئن كل منهما إلى الآخر، فهما شريكان يؤسسان شركة عظيمة وهي البيت المسلم الذي ينشأ عنه جيل والأجيال المسلمة، فالرجل يكتسب ويكد ويكدح ويسافر، ويتعرض للأخطار في طلب العيش، والمرأة في البيت تربي وتصلح أعمال البيت وتحفظ البيت حتى يأتي صاحبه، تربي الأولاد وترعاهم وإذا جاء الزوج متعبًا ومثقلًا بالأعمال وجد أمامه الزوجة التي يسكن إليها والتي هيأت له الراحة، وهيأت له ما يحتاج إليه، حصل التعاون بين الرجل والمرأة، وأيضًا الأولاد الذين يحصلون بين الرجل والمرأة من الذي يتولاهم؟ الرجل يسافر في طلب الرزق ويغيب المدة الطويلة، من الذي يتولى هؤلاء الأطفال إلا المرأة، إلا أمهم التي تربيهم وتقوم عليهم وتسد غيبة والدهم؟ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: " والمرأة راعية في بيت زوجها مسؤولة عن رعيتها."، مسؤولة عن بيت الزوج، ومن فيه من الذرية، هي المسؤولة عن ذلك، هي عليها مسؤولية عظيمة، ولها مكانة عظيمة، ولها أجر عظيم إذا أطاعت زوجها وصلت فرضها وأطاعت ربها، دخلت جنة ربها.

فهي عليها مسؤولية عظيمة، وهي تؤدي دورًا مهمًا في المجتمع، ولها أجر عظيم إذا قامت بوظيفتها في الحياة، أما إذا ضيَّعت وظيفتها وخرجت إلى عمل غير عملها فإنها مسؤولة أمام الله، ضيعت رعيتها، هي راعية ومسؤولة عن رعيتها سيسألها الله يوم القيامة عن هذه الرعية التي ضيعتها وخرجت لطلب الأعمال هنا وهناك، ضيَّعت عمل البيت، المرأة لا شك أن لها دور عظيم، وأنها هي الأم وهي الزوجة وهي القريبة وهي محل الأمانة ومحل النصح في غياب الزوج، وحتى في حضرة الزوج هناك أعمال لا يقوم بها الزوج ولا يدري عنها، فهي من عمل المرأة، فمهمتها عظيمة، وأعداء الإسلام يحاولون أن يصرفوا المرأة عن ما هُيأت له، وأن يُلوها مهمة غير مهمتها، وبهذا يخصل الفساد في المجتمع والنكسة العظيمة، فالمرأة إذا خرجت عن قومها وتوَّلت عملًا غير عملها هي أولًا لا تُنتج في هذا العمل كما ينبغي، وثانيًا هي تُضَيِّع مسؤوليتها ورعايتها المُسترعاة عليها أمام الله -سبحانه وتعالى- وبالتالي يضيع المجتمع؛ لأن المجتمع بأثرة وببيوته فإذا ضاعت البيوت والأسر ضاع المجتمع كله، وهذا ما يريده أعداء الإسلام، يريدون أن يتخذوا من المرأة سلاحًا يطعنون به المسلمين -وهم لا يشعرون- بحجة: تثقيف المرأة، تعليم المرأة، أن المرأة قرينة الرجل، أن، أن ...إلخ.

نعم، نحن نقول المرأة قرينة الرجل، والمرأة لا شك أنها إنسان وأن لها كرامة وأن لها احترامها، وأن لها أعمالها الخاصة بها هذا لا شك فيه.

وإذا ضيَّعت هذه المهمات خسرنا نصف المجتمع كما نقول، أما إذا أخرجناها من بيتها ووليناها عملًا غير عملها هنا ضاع المجتمع كله، فيجب التنبؤ لهذه الدعايات المغرضة، وهذه الأفكار الخبيثة التي تريد إفساد المسلمين بسلاح المرأة.

: أحسنتم شيخ صالح حفظكم الله، شيخ صالح، لا شك أن هناك العديد في الوقت الحاضر من المفاهيم التي حاول البعض المساس بها أو تعكيرها، وهناك قضية أو ما يُعرف بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والعلاقة بين الحاكم والرعية حاول البعض إيجاد شيء من اللبس والتشكيك في هذه العلاقة وظهرت في الساحة العديد من المفاهيم والأغلاط في هذا الأمر، بودي من الشيخ صالح الفوزان أن يتفضل يتكرم مشكورًا ببيان البيان الشرعي في هذه المسألة المهمة.

: لا شك أن هذه جزء من المكر الخبيث الذي يحوكه أعداء الإسلام، كما حاكوا قضية المرأة وحاكوا أيضًا قضية العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ لأنهم يعلمون أنه إذا حصل الوئام بين الحاكم المسلم وبين الرعية المسلمة حصل الاجتماع، حصلت القوة، حصلت المواجهة مع الأعداء، هم يريدون أن يطوِّروا هذا البعاد وأن يفصلوا بين الحاكم وبين المحكومين حتى يتنافى المجتمع، وحتى يسهُل عليهم اقتلاع المسلمين والتدخل في شؤونهم.

الله -جل وعلا- أولى هذا الأمر عناية عظيمة، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]

عندنا آيتان كما يقول شيخ الإسلام أبن تيمية، آيتان: واحدة للراعي والثانية للرعية التي في الراعي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]، هذه توجيه للرعاة { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]
 

الآية التي بعدها في الرعية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]

فلو أن الرعاة والرعية عملوا بهاتين الآيتين لحصل الخير الكثير، ولانسد على دعاة الفتنة ودعاة الشر انسد كل طريق للإفساد، ولذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية على هاتين الآيتين كتابًا مستقلًا أسماه: "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية" وهو كتاب مطبوع ونافع ومتداول يجب الرجوع إليه في هذا الأمر المهم، فلا شك أن طاعة ولاة أمور المسلمين أنها أمر مهم، وهي طاعة لله، وطاعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصا الأمير فقد عصاني."

وأمر بطاعتهم ولو جاروا ولو ظلموا ما لم يرتكبوا مُكفِّرًا ناقضًا من نواقض الإسلام، لما في ذلك من المصلحة العامة، ولما في الخروج عليهم من المفاسد العظيمة وإن كان بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولأن ما يترتب من الخروج عليهم من سفك الدماء وتفريق الكلمة وتسلط الأعداء أعظم مما يحصل من إنكار المنكر الجزئي، إنكار المنكر الجزئي.

وإنكار المنكر إذا ترتب عليه منكر أعظم فإنه لا يجوز من باب ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما فالواجب طاعتهم إلا إذا أمروا بمعصية الله فإنهم لا يُطاعون في معصية ولكن يُطاعون في غيرها من الأوامر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق." قال -عليه الصلاة والسلام-: "إنما الطاعة في المعروف." (؟؟26:35) بالمعصية، لكن يُطاعون في غيرها مما ليس فيه معصية لما في ذلك من جمع الكلمة وحزم الرعية ويقول شيخ الإسلام كلامًا معناه: "ما خرجت أمة على رُعاتها إلا حصل من الفساد من مفسدة البقاء على طاعتهم." هذه قاعدة معروفة وإذا تتبعت واقع العالم وجدت هذا صحيح حتى عند الكفار، الكفار إذا أطاعوا لرؤسائهم وانقادوا لولاتهم حصل لهم الأمن وحصل لهم الاستقرار وهم كفار كما تعلمون من حالة الدول الكبرى وإذا حصل منهم نزاع بينهم وبين رُعاتهم حصل الفساد، فكيف بالمسلمين؟!! وإذا استقرأت التاريخ وجدت ما يحصل من المفاسد في الخروج على الولاة أعظم مما يحصل من المفاسد في البقاء على طاعاتهم مع معصية جزيئة.

أما إذا وصل الأمر إلى الكفر والخروج عن الإسلام فإنها لا تجوز طاعتهم {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اسمعوا وأطيعوا إلا أن ترَوْا كفرًا بواحًا عندكم عليه من الله برهان.

وإذا قرأت تاريخ المسلمين وما حصل من الخوارج والمعتزلة في منازعتهم لولاة الأمور وما حصل من الويلات والحروب، وما حصل من تسلط الأعداء وسفك الدماء عرفت قيمة أوامر الله وأوامر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من السمع والطاعة واجتماع الكلمة.

: أحسنتم أثابكم الله، هل لكم من كلمة أخيرة شيخ صالح في ختام هذا اللقاء؟

: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعًا وأن يوفق المسلمين لما فيه الخير والصلاح لدينهم ودنياهم، وعلى المسلمين جميعًا أن يعرفوا وقتهم ويعرفوا مكانته ويعرفوا زمانه، ويعرفوا العدو من الصديق، عليهم أن يعرفوا العدو من الصديق، وأن يقبلوا من الناصح، أن يقبلوا من الناصح وأن يرفضوا العدو ولو تظاهر له بمظهر الناصح ومظهر المشفق والصديق؛ فإن العدو لا يكون صديقًا أبدًا مهما تظاهر، ولكن الناصح هذا هو الصديق في الحقيقة وإن رأيت ما لا تقبله في أول الأمر، يعني لو واجهك بشيء تكرهه من أخطائك فإنه خير لك ممن يمدحك ويُثني على جميع أعمالك، والذي يذكر لك شيئًا من عيوبك هذا هو الناصح، وهذا خير لك وإن كرهت بعض مصارحته لك خير لك من هذا الذي يتملق ويمدحك ويزكي جميع أعمالك.

عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول: "رحم الله امرأ أهدى لعمر عيوبه." هكذا: "أهدى لعمر عيوبه." هدية، اعتبرها هدية< لأنها نصيحة، الناصح لا شك أنه هو الصديق، وإن رأيت أنه عدو لكنه صديق في الحقيقة، والمنافق والغاش هو عدو وإن تظاهر لك بمظهر الصديق الناصح، وعواقب الأمور تبين هذا، فعلى المسلمين أن يقبلوا من الناصحين.

ولهذا لما حص الهلاك على قوم صالح -عليه الصلاة والسلام- وأخذتهم الصيحة، قال: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 79] هكذا، فالواجب على المسلمين أن يعرفوا هذا.

 وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

شارك