سيرة ذاتية – في موكب الدعوة |الحلقة الثانية|صالح الفوزان|كبار العلماء

استمع على الموقع

إقرأ

سيرة ذاتية "في موكب الدعوة" -الحلقة الثانية-

 -كبار العلماء - الشيخ صالح الفوزان

بسم الله الرحمن الرحيم، المكتب الصوتية لمعالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، حلقات تُبث في إذاعة القرآن الكريم:

"في موكب الدعوة"

بسم الله الرحمن الرحيم، الصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين:

أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله مع هذا اللقاء الجديد من برنامجكم "في موكب الدعوة".

كنا وإياكم في الأسبوع الماضي مع لقاء مع صاحب الفضيلة الشيخ صالح الفوزان بن عبد الله الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء، والذي تناولنا فيه في اللقاء الأول منه العديد من الجوانب المهمة من حياة الشيخ ونشاطه العلمي والدعوي.

نواصل في هذا اللقاء مع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور صالح الفوزان بن عبد الله الفوزان بعض الأسئلة التي نحب أن نتناولها، إلا أنني في مطلع هذا اللقاء لا أملك أن أرحب بفضيلة الشيخ صالح مجددًا شكري وتقديري له على قبوله دعوة البرنامج:

"حياكم الله يا شيخ."

:"حياكم الله وبارك فيكم وفي جهودكم."

:"شيخ صالح -رعاكم الله – مُلْحَظ اهتمام من فضيلتكم بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكان لكم برنامج متميز في إذاعة القرآن الكريم وهو: "قراءة في فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية" بودي أن تبرزون أهمية هذه الفتاوى التي كان لكم رحلة طويلة معها، وهل من الممكن إيجاد تعليقات مفيدة على بعض ما يوجد في هذه الفتاوى من مسائل مهمة التي ترون الحاجة إلى الإشارة إليها مع التعليق عليها؟".

:"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد على آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فلا يخفى ما لمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله – وتلميذه الإمام ابن القيم من أهمية عظيمة في تجديد هذا الدين، وإحيائه وإحياء السنة المحمدية بعدما ما حصل على المجتمع الإسلامي من دخول أشياء أثرت على العقيدة وعلى سلوك المسلمين، فجاء الله بهذا الإمام المجدد فقام -رحمه الله- بتنبيه الأمة ودعوتها إلى الرجوع إلى الأصل الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونبذ البدع والخرافات والمحدثات التي تجمعت في أفكار كثير من المسلمين فأثرت  عليهم، فكان لدعوته ولمؤلفاته ولتلاميذه من إيقاظ المسلمين من لا يجحده إلا مكابر أو ضال، ومن ذلك فتاواه، الفتاوى العظيمة المنبثقة عن كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ومنهج السلف الصالح في الاعتقاد وفي العمل، وفي التعامل، وفي الأخلاق، فهي فتاوى حافلة في سجل عظيم من سجلات هذا الدين الإسلامي العظيم، وفتاواه كثيرة لكن ما جمع منها الآن هو هذا الكم الهائل الذي يبلغ (35) مجلد ضخمًا، وهناك مؤلفات مُستقلة في السنة النبوية كـ"اقتضاء الصراط المستقيم"، وفي كتاب "نقض التأسيس" في الرد على الرازي، ومثل كتابه "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"، له كتب عظيمة.

كذلك رسائله العظيمة مثل: "رسالة الحموية"، "رسالة الواسطية"، "رسالة التدمرية"، وردوده على القبوريين، والخرافيين كالرد على الإخنائي، والرد على ابن بكري، والرد على ابن سبعين، والرد على أهل وحدة الوجود، وعلى المتصوفة، شيء لا يمكن حصره، فنفع الله -جل وعلا- بهذا الجهد العلمي العظيم، نفع به المسلمين في مختلف العصور، ويكفي من فضائل هذا المنهج العظيم هذه الدعوة المباركة التي قام بها شيخ الإسلام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب فإنها قامت على هذا التراث العظيم والمجد الأثيل الذي أصله شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فالشيخ محمد بن عبد الوهاب قرأ هذه الكتب وهذه الفتاوى فانتفع بها وتأثر بها وقام بالدعوة على ضوءها، وكان لها الثمرات العظيمة التي لا تخفى على ذي بصير.

 طُلِبَ مني من قبل الإذاعة، إذاعة القرآن الكريم أن أُلقي الضوء على شيء من هذه الفتاوى لإعطاء المستمعين فكرة ولو مختصره عن هذه الفتاوى بالذات.

وهذه الفتاوى إنما تمثل قسطًا يسيرًا من جهود هذا العالم وهذا الإمام، ففرحت بهذا الطلب وقمت بقراءة هذه الفتاوى، وكتابة ما تيسير من تقرير ما فيها علم وفقه في دين الله عز وجل، ابتداء من الجزء الأول واستمر هذا البرنامج عدة سنوات، وكان البرنامج برنامجًا أسبوعيًا، فوصلت فيه إلى الجزء العاشر من الفتاوى، قدمت فيه حلقات خلال هذه السنوات ثم إنه توقف هذا البرنامج ولعله يعود النشاط فيه إن شاء الله والمواصلة.

وأما مسألة التعليق فإنني إذا سنحت فرصة ورأيت المناسبة وربط الواقع بالماضي فإنني أعلق بعض التعليق لربط واقع الناس اليوم بما جاء في هذه الفتاوى؛ لأجل أن ينتفع بذلك من أراد الله سبحانه وتعالى من المستمعين

: " أكرمكم الله شيخ صالح، في الحقيقة شيخ صالح من المُلاحظ جدًا لمن ينظر إلى واقع المسلمين الجهل الكثير الذي يغشى مجتمعات المسلمين خصوصًا فيما يتعلق بأمور عباداتهم ومعاملاتهم ويظهر هناك حاجة ماسة نحو تعلم الفقه الإسلامي خصوصًا بعد العلم بتوحيد الله سبحانه وتعالى وتحقيقه، وهناك محاولات للعديد من العلماء نحو إيجاد ما يُسمى "صياغة فقهية معاصرة" تتناول النوازل والحوادث المستَجِدة إلا أنها قد تكون في بداياتها.

شيخ صالح، وأنتم قد كتبتم في العديد من المجالات الفقهية وكان لكم إسهام مشكور ومذكور في ذلك، بل إنكم الآن تكررون وتدرسون في دروسكم العديد من الكتب الفقهية ولكم برنامج في إذاعة القرآن الكريم في شرح كتاب "زاد المستقنع".

شيخ صالح، ألا ترون أن هناك حاجة ماسة لإيجاد موسوعة فقهية معاصرة بلسان معاصر كما يقولون مع الاستفادة من الكتب التي تركها العلماء من سلفنا الكرام؟".

: لا شك أن ربط الناس بالفقه هو أمر مهم؛ لأن الفقه بالدين هو أساس العمل، فلا يمكن لغير الفقيه أن يعمل عملًا صالحًا ومستقيمًا إلا إذا كان على فقه لدين الله سبحانه وتعالى، ولذلك أمر الله بالتفقه في الدين وأثنى على المتفقهين قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]

{لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ}: يعني ليتفهموه، ليتفهموا أمور دينهم، فالفقه لغة هو الفهم، والفقه في الدين هو فهم أحكام الدين، وشرائع الدين.

 وانظر كيف قدَّم {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} على قوله: {وَلِيُنْذِرُوا}؛ لأن الإنذار والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما يكون بعد الفقه، إنما يكون بعد الفقه والعلم، ولا يصلح الإنذار والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الجهل، بل لابد أن يكون ذلك عن فقه، ولذلك اتجهت سنة السلف من لدن الصحابة -رضي الله عنهم- إلى وقت المسلمين الحاضر اتجهت سنتهم إلى العناية بالفقه، وتفقيه الناس وتعليمهم أمور دينهم، وكان من ذلك هذه الحصيلة والثروة العظيمة الفقهية التي خلفها سلفنا الصالح مقتبسة من كتاب الله  وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

فهذا الفقه الذي خلفه سلفنا الصالح إنما هو وسيلة إلى فهم الكتاب والسنة والعمل بهما.

والفقه في نظري ليس بحاجة إلى تجديد عبارة أو صياغة جديدة؛ لأنه مصوغ بعبارة عربية فصيحة، والقدامى أفصح منا، وأقدر منا على البيان، وأقدر منا على جمع المعلومات؛ لأن الله أعطاهم من المقدرة ما لم يكن لمن جاء بعدهم إلا من شاء الله -سبحانه وتعالى- ففي نظري فإن الفقه ليس بحاجة إلى تجديد عبارة أو صياغة، وإنما هو بحاجة إلى تعلم.

الفقه في حاجة إلى تعلم وعناية وإقبال عليه، وتعليم الناشئة وتنشئتهم على فقه السلف الصالح، هذا هو المهم، أما مسألة الصياغة والتعبير الجديد هذا لو حصل هكذا والناس في إعراض عن الفقه فالآفة لم تأتي من الصياغة أو من العبارة وإنما جاءت من انصراف الناس وجهلهم بهذا الأمر، فإذا وُجهوا وعُلموا حصل المقصود بدون أن نكلف أنفسنا بوضع عبارة جديدة أو صياغة جديدة؛ لأننا لن نأتي بأفضل مما جاء به من سبقنا من أهل العلم والخبرة والمعرفة.

: أحسنتم – أثابكم الله -، شيخ صالح حفظكم الله، الفتوى في هذا العصر بل في كل عصر أحوج ما يكون الناس إليها، والوقت الحاضر شهد كثير من الذين يتصدرون مثل هذا الأمر ليسوا أهلًا لذلك، وأصبحت الفتوى في بحر يموج كلٌ يدلي بدلوه بعلم أو بغير علم، هل هناك ضوابط يجب أن تُضبط بها الفتوى لكي يسير كل واحد من المسلمين على نهج سوي وصحيح، ثم هذا التعدد في الفتوى إلا يمكن أن يجد بلبلة لدى كثير من عامة المسلمين؟!".

لا شك أن أمر الفتوى أمر مهم، والحاجة إلى الفتوى حاجة ضرورية؛ لأن الناس بحاجة إلى من يجيبهم على تساؤلاتهم، وبحاجة إلى من يحل مشكلاتهم، وبحاجة إلى من يتناول قضاياهم، هم بحاجة إلى ذلك، ولكن لن يقوم بهذه المهمات إلا أهل العلم المختصون الفقهاء في دين الله عز وجل، فإذا قام بهذا الواجب وهذا العبء أهله من أهل العلم المختصين حصل المقصود، وحصل المطلوب، وانحلت المشكلات، إذا رجع الناس إلى أهل العلم وإلى أهل البصيرة، وقام أهل العلم وأهل البصيرة بالنظر بمشاكل الناس وتقديم الحلول لها على ضوء كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حصل المطلوب وانحلت المشاكل، كما كان ذلك في عصر سلف هذه الأمة لما كان الناس يرجعون إلى العلماء الراسخين كانت مشكلاتهم تنحل، كانت قضاياهم تحل ببساطة على ضوء كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والله أمر بذلك؛ فقال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فأمر الجهال بسؤال أهل العلم؛ لأن أهل العلم هم الذين يقدرون على إجابة الأسئلة الفقهية، وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83] فأمر الناس عندما يحصل إشكال أو يحصل أخذ ورد في أمر من الأمور المهمة أن يرجعوا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأن يرجعوا إلى أولي الأمر منهم، أهل الشأن والمنزلة، وهم أهل الرأي وأهل الفقه، وأهل الخبرة والتجربة، فحينئذ يخرجون إلى نتيجة، نتيجة مرضية { لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83] لكن حينما تكون الأمور فوضى ويتولى الإجابة كل ما هب ودب مما ينتسب إلى العلم وهو جاهل، أو من عنده علم لكن ليس عنده عمل، وإنما يتبع هواه رغبة ورهبة الآخرين، وإرضاء الآخرين، حينئذ يحصل الفساد كما حصل لبني إسرائيل لما ضل رهبانهم وأحبارهم فأحلوا ما حرم الله، وأحلوا ما حرم الله، وأطاعهم عامة الناس هلك الجميع { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، فإذا صارت الأمور في أمور الفتوى وأمور العلم فوضى يجيب عليها الجُهَّال الذين لا علم عندهم، أو يجيب عليها نُصَّاف العلماء الذين لا يتبعون ما أنزل الله على رسوله وإنما يتبعون رغباتهم أو رغبات غيرهم، ويلتمسون للناس ما يرضيهم ولو بما يسخط الله عز وجل، فحينئذ يحصل الفساد في الأرض، وما هلكت بنو إسرائيل إلا بمثل هذا {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]

فلا يجوز الرجوع إلى أهل الأهواء وأهل البدع، ولا الرجوع إلى الجُهَّال، وإنما يجب الرجوع إلى أهل العلم والعمل، أهل العلم الثابت والعمل الصلح.

وهذا هو الذي بعث الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإن الله -سبحانه وتعالى- بعث رسوله بالهدى ودين الحق، فالهدى هو العلم النافع، ودين الحق هو العمل الصالح، فلابد من اجتماع الأمرين، العلم النافع والعمل الصالح، أما إذا انفرد أحدهما عن الآخر فكان علم بدون عمل هذا طريق أهل الضلال، أو كان علم بدون عمل فهذا طريق المغضوب عليهم، أو كان عمل بدون علم فهذا طريق أهل الضلال والله أمر أن نستعيذ بهم في الطريقة، طريق المغضوب عليهم هم الذين عندهم علم وليس عندهم عمل، وطريق الضالين وهم الذين عندهم عمل وليس عندهم علم، وأمرنا باتباع طريق المُنعَم عليهم وهم الذين جمعوا بين العلم النافه والعمل الصالح، فلا تنضبط الفتوى إلا بهذا؛ بأن يتولاها أهل العلم الراسخ والعمل الصالح، فإذا اختل شرط من هذين الشرطين حصل الفساد في الأرض، ولن يقتصر فساد هؤلاء على أنفسهم وإنما يتناول هذا عامة الناس -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، فهذا الأمر خطير والواجب التنبه له، والواجب على كل أحد حينما يُسأل أن يتقي الله -سبحانه وتعالى- فلا يتسرع إلى الجواب، فإن كان هناك من هو أعلم منه فليحل السؤال عليه، وكان السلف يتدافعون الفتوى -وهم على علم- لكن يريدون أن يتولاها من هو أكبر منهم وأوثق منهم، وهذا من ورعهم ومعرفتهم بصعوبة الموقف، الله -جل وعلا- يقول: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، ويقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، وإن كان ليس هناك من يتولى الفتوى ممن هو  هو أعلم منه فعليه أن يتقي الله وأن يتحرى في إجابته ما ينجيه عند الله هو أولًا، ثم ينجي السائل أيضًا فيعتبر نفسه أول من يتناوله خطر الفتوى، ثم أيضًا يرحم السائلين، ويرحم الناس من أن يوقعهم في الضلال ويقودهم إلى الغواية إما لمحبته للشهرة، وإما لمحبته لعرض دنيوي، فعليه أن يتقي الله -سبحانه وتعالى-، وأن يحترم الفتوى والقول على الله -سبحانه وتعالى- فإن الله جعل القول عليه بغير علم فوق الشرك، قال -سبحانه وتعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]

 فجعل القول على بدون علم فوق منزلة الشرك؛ لأن الشرك جزء من القول على الله بغير علم، وقال سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117].

: أحسنتم -أثابكم الله- شيخ صالح -حفظكم الله- لا شك أن الشباب لهم دور مميز في الحياة ونجد أنها فرصة مناسبة لكي يتفضل الشيخ صالح في توجيه كلمة لشباب في هذا المقام.

: لا شك أن شباب الأمة هم عدتها بعد الله -سبحانه وتعالى-، فالواجب عليهم أن يعرفوا مكانتهم، وأنهم هم أبناء المسلمين، وهم الذين سيتولون المهمات بعد آبائهم، فعليهم أن يتهيؤوا للمسؤولية، وأن يتهيؤوا لمستقبلهم ومسؤولية دينهم، ومسؤولية أمتهم فليسوا مثل شباب الدول الكافرة الذين لا دين لهم، وإنما يتمتعون في هذه الحياة الدنيا فقط ولا يهمهم أمر دينهم ولا أمر أمتهم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12]، وشباب المسلمين ليسوا مثل شباب بقية الأمم الكافرة، فعلى شباب المسلمين أن يعرفوا مكانهم ومسؤوليتهم أمام الله سبحانه وتعالى، وأنه سيخلفون الجيل الذي قبله، ويحملون هذا الدين ويحملون الدعوة ويحملون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويحملون همة الجهاد في سبيل الله -عز وجل-، فهم مهيؤون لأمر عظيم، فعليهم أن يعوا هذه المسؤولية، ولا يمكنهم القيام بها إلا إذا تأسسوا على علم صحيح في عقيدتهم وفي عبادتهم، وفي معاملاتهم وفي أخلاقهم، فعليهم أن يهتموا بتعلم العلم النافع من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأن يحذروا من التيارات الهدامة والمناهج الخطيرة المخالفة لمنهج الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، يجب أن يعوا هذا الأمر وأن يهيؤوا أنفسهم على التربية والنشأة الدينية الصحيحة، وأن يحذروا من الصوارف والدعايات الهدامة، وأن يحذروا من المغريات الدنيوية، وأن يقدروا أيضًا زمنهم؛ فلا يضيعوه باللغو والغفلة والإعراض والمتاع الزائل فهم لم يُخلَقوا لهذا، وإنما خُلِقوا لمهمة عظيمة، قال الشاعر:

قد هيؤوك لأمر لو فطنت له   فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

فعلى شباب المسلمين أن يعرفوا مكانهم، وأن يعرفوا ما هم مهيؤون له، من الذي قاد الجيوش في عهد الصحابة والتابعين وسلف الأمة؟ هل قادها إلا الشباب؟! هل قادها إلا خالد بن الوليد، المثنى بن الحارثة؟! وهل تولى قضاء المسلمين وفتواهم إلا الشباب؟! معاذ بن جبل، عبادة بن الصامت، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم من شباب الصحابة هم الذين تولوا أمور المسلمين في الجهاد وفي العلم والدعوة، فعلى شباب المسلمين أن يعرفوا هذه الأمور، وأن يتخذوا من سيرة سلفهم الصالح القدوة الحسنة.

: أحسنتم – أثابكم الله-، أيها الأخوة والأخوات في الحقيقة كما وإياكم في هذه الدقائق الماضية مع صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن الفوزان بن عبد الله الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء، والذي تولى مشكورًا هذا التوجيه الكريم الطيب والمبارك والنافع للأخوة المستمعين والمستمعات.

لا أملك في ختام هذا اللقاء إلا أن أرفع جزيل شكري تقديري لصاحب الفضيلة الشيخ صالح الفوزان على قبوله دعوة البرنامج، وعلى تكرمه وتفضله بالإجابة عن أسئلتنا واستفساراتنا، ابتهل للمولى -عز وجل- أن يجزيه خير الجزاء وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يمد بعمره على عمل صالح وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.

نأمل بإذن الله تعالى أن نلقاكم على خير في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شارك